طيوف من ذاكرة الموج
شعر: بديع صقور| سورية
– 1 –
ومرّ طيفه في خيال الموج
قرع بوابة الذاكرة . . .
فتحت قفص البحر ، وطيرت
ما كان خلف قضبانه منطيوف وأحلام .
- 2-
فوق كرسي القرون الغابرة جلست ” أوغاريت ”
تستعيد أمسها البعيد . .
توشوش البحر :
امنحني جرة من ماء الحب
لأغسل به وجه اللاذقية الجميل
امنحني جذوة من نار أرش بها
وجه القراصنة وقت يقتربون من بيت اللاذقية
أوراقاً من زبدك أصنع منها
طائرات ورقية . .
زوارق للرحيل . .
أطيرها في سماء اللاذقية
أدفعها لعبابك كي تعيد بعض من رحلوا
وبعض من لم يعودوا من أسفارهم الخائبة .
- 3 –
على هضبة القرون الغابرة تتكئ ” أوغاريت ”
تساهر القمر ، وتقص عليه ما مرَّ عليها
من ثقل الأيام وأحزان السن وتعب الدهور .
– 4 –
بيمْناها المرتعشة تخط ” أوغاريت ”
على دفتر الزمن الغابر :
هذا البحر ليس دباً قطبياً . .
وهؤلاء الهابطون السائبون
المشتتون بين أنقاض المدن
يجيئون من الجبال حاملين جوعهم . .
وبردهم . .
وغربتهم . .
هؤلاء القادمون إليك
من شتاءات القهر يمضون
إلى قبورهم عراة
وسط زحمة الخوف من موت جديد.
– 5 –
بين عشاق الجبال ،
وعشاق البحر فاصلة من القهر
تكبر حينما تغدو الجبال بعيدة ،
والبحار قصية .
– 6 –
هجروا الجبال
هجروا الحقول
من قال :
المدن أكثر جمالاً من الجبال ؟
قلب الجبلي يخنقه دخان المدن
مثلما الصقيع يقتل شجر البرتقال .
– 7 –
وبعد أن قضى الحياة غريباً . .
ما جدوى أن تبني له قبراً جميلاً بعد موته ؟ !
ما جدوى أن تكون شاهدتاه
نسران يتأهبان للطيران ؟ !
– 8 –
كطفلين أمسكا بمعصم البحر
كانا يثرثران عن الحب . .
سحب البحر معصمه . .
غرقا في الثرثرة عن الحب .
- 9 –
كبونا تحت وقع الحكاية
غفونا كزغلولين صغيرين
أختي ، وأنا
وصوت جدتنا المتقطع ..
المترهل، المتحشرج ،العتيق
كبا معنا . .
وانقطعتْ خيوط الحكاية عن
السفر والظباء ، وجدي الذي غاب
ذات يوم خلف البحار .
- 10 –
في منتصف الشوق
في منتصف العمر
نتسلق كالسناجب أشجار الحب
وكالسناجب كلما رغبْنا بالهبوط
تغرينا الأغصان العالية بالصعود .
– 11 –
الطفلة . . كلّما مرّت غيمة
حاولت الإمساك بذيلها
الصياد . . كلما اصطاد بشبكته طائراً
قصّ جناحيه ، وقذف به إلى الأعلى .
الطائر المقصوص الجناح يحاول الطيران .
الطفلة تلاحق الغيوم . .
الصياد يقص أجنحة طيوره التي يصطادها . .
ثم يحاول أن يطيرها . .
هل من أحد يستطيع
أن يقنع هذا الصياد بأن الطيور
المقصوصة الجناح لا تطير ؟ !
الطفلة تبكي لأنها لم تفلح بالإمساك ولو بذيل غيمة .
- 12 –
ألطف ما أنبتت الأرض الأزهار . .
أبشع ما قدمه الإنسان للأرض القتل . .
لماذا لا نحاول أن نكون زهوراً تغطي وجه الأرض ؟
من يجبرُنا ألا نكون زهوراً تغطي وجه الأرض ؟!
كيف سننزع من صدورهم طبائع الذئاب ؟!
كيف ؟ ! !
- 13 –
أحن ّ إلى قبلة . .
تحنّ إلى همسة . .
الحزن غربة .
أعيديني إلى حضنك الدافئ
أو إلى بيتنا المنفي بين زهورالحب،
ورعوش الحنين،وحكاياتالنسيان .
– 14 –
عنْوةً يسرقون رغيف العمر . .
عنْوةً يسرقون كلّ ما جنيناه . .
يسرقون الحياة والحب ،
ويمنحوننا النوم الأبدي .
- 15 –
وتمضي المواعيد . .
نتلفّت !.
دوننا الدرب
ودوننا خضرة الحياة .
نتلفّتْ !.
وتمضي الحياة بطرفة عين
تتوالى الأيام ،
ويكتنفنا الذهول والحيرة .
نتلفّتْ !.
كثيرة هي الأسئلة البريئة والمتهمة في آنٍ معاً .
نتلفّتْ!.
الأسئلة مشنوقة ، تتدلى من أعناقها ،
والموت يختصر الإجابات!.
- 16 –
يظنون الحياة حيواناً شرساً ،
فيحشرونها داخل أقفاصهم . .
نظنّ الحياة حماماً طليقاً
وهديلاً مجللاً بالكآبة .
الحياة أكبر من السجون . .
وأوسع من الأقفاص .
- 17 –
نحن معهم على خلاف
ولأننا . .
على خلاف إلى آخر العمر
كيف لنا أن نلتقي ؟ !
- 18 –
ذوى كجلنارة بين يديها
بللته بالدموع . .
بللته بالحب . .
كجلنارة ذوي طفلها الوحيد ،
وكجلنارة تجمدت فوق صقيع جسده الصغير .
- 19 –
نشر أشرعة سفينته ،
وأقلع خلف جبال الزرقة . .
لم يطاوعه قلبه على الإبحار معه . .
ظلّ قلبه على رصيف الميناء
يحرس الشرفات والنوافذ،
والماضي من الأيام .
**** ****
بعد أن أقلع خلف زرقة المجهول
وقفت تترقب رجوعه
وعلى شفتيها الزرقاوين ترفرف
ابتسامة باردة .
– 20 –
عندما التقيا
صهل العشق في قلبيهما
شبهها بالندى . . بالبراري . . بالأقحوان . .
شبهته بالشجر الخيول والمطر .
وعندما افترقا
سرت فيه رعشة الغياب . .
عندما افترقا
أطبقت روحها مثل ريحانة . .
غافلهما الفراق
فتعثرا في الحب . .
عندما ابتعدا
صلى لآلهة البراري النائمة . .
عندما افترقا
احتضنت قامة الخريف ،
وبكت على صدر البراري .