قهر الرجال
خالد رمضان| كاتب مصري
متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار ؟!
لقد تفوّه بهذه المقولة منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قالها؛ ليرسخ مبدأ إسلاميا أتى به ديننا الحنيف، وأقرته كل الديانات من قبله، ألا وهو مبدأ الحرية والعدالة والكرامة والمساواة بين سائر الناس، فلا أفضلية للون أو لعرق، أو لجاه أو صولجان، إنما كل الناس سواء كأسنان المشط.
ولقد كرّم الله تعالى تلك النفس البشرية ومازها وأوجد لها قبل أن يوجدها، فسوّى لها الأرض وما حوته، والسماء وما أظلته، والبحار وما زخرته، وأحسن خِلقتها وهيأتها.
بل منح الله تعالى تلك النفس البشرية عقلا تسوس به المفترسات واللادغات، واللاسعات والنابحات، بل وتحكم به مابين الجبال والوديان، وما خفي في البحار والأنهار.
بل وزاد في تشريفها وتكريمها فاصطفاها لرسالته، ومهّدها لأنبيائه ورسله، فأوكلها حمل دينه القويم، والاهتداء إلى طريقه المستقيم، فأمرها بالاستقامة، وحذرها من الضلال والغواية، فقال تعالى: ” فاستقم كما أمرت ومن تاب معك”
هذا الإله العظيم خالق هذه النفس البشرية تجده سبحانه قد وكّلها أمر نفسها، ومنحها حريتها وإرادتها؛ فلم يفرض عليها عبادته، بل لم يلزمها بطاعته، فقال : ” لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”، وقال : ” لكم دينكم ولي دين”
فمن شذّ عن دينه، ومن كفر برسله وأنبيائه ما حرمهم أرزاقهم، ولا حجب عنهم أقواتهم رغم عصيانهم ونفورهم وشرودهم وصدودهم وإعراضهم.
ثم يأتيك هؤلاء المتعجرفون المعقدون ومن يسعون في الأرض فسادا، فيقتلون الضعفاء من الأطفال والنساء، ويقهرون الأعزاء الأنقياء العزّل الأصفياء بلا رحمة ولا هوادة على غير دليل عقدي أو أخلاقي أو إنساني، فلا يوجد في كتاب سماوي ما يفعله هؤلاء الخبثاء، وإذا كان عندهم فليأتونا به.
وشتان بين النور والظلماء.
فهذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم – يعلم الدنيا بأسرها، ويرسخ لحضارة لم يسبق لها مثيل، ويبدو ذلك جليا حينما كان يصفّ جيشه لقتال الأعداء، وقد وقف الجيش بقضه وقضيضه يستعد ليطوي السباسب والفدافد مدججا بالسلاح والدروع السابغات، وقد أشهروا سيوفهم، وأعدوا سنانهم، وملأوا كنائنهم، وأحدوا رماحهم، يعني على أهبّة الاستعداد، فبدلا من أن يوصيهم بالقتل والتشريد والتنكيل تجده يفيض رحمة وحنانا فيقول:
” لا تقتلوا شيخا كبيرا، ولا طفلا صغيرا، ولا تجهزوا على صريع، ولا تقتلوا موليا، ولا تحرقوا شجرا، ولا تهدموا بيتا”
والله ما خلق الإله وما برى
بشرا يرى كمحمد بين الورى
إن هذا الدين الحنيف دين يفيض رحمة ورأفة، لا غلا ولا حقدا كما تفيض صدور هؤلاء.
إن هؤلاء المعتدين قد تجردوا من كل معاني الإنسانية، فضلا عن تجردهم من معاني الكتب السماوية النقية، إنما تنسب أفعالهم لطباعهم الدنيئة، ونفوسهم المرزوءة.
يدفعهم حقدهم الدفين، يحدوهم غدرهم الذميم، سمتهم عفن، حياتهم رمم، إن عاهدتهم نقضوا العهود، وإن واعدتهم خانوا الوعود، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة.
لكن نبشركم يا من تعنترتم على الضعفاء المساكين بأنه لن تقوم لكم ٱية، ولن تعلو لكم راية، ولو تكأكأتم جميعا بخيلكم ورَجِلكم، وأتيتم من كل حدب وصوب، فأنا كالقيامة ذات يوم ٱتِ.
حذارِ فتحت الرماد اللهيب
ومن يزرع الشوك يجن الجراح
ولتعلم تمام العلم أن هؤلاء الضعفاء الأبرياء ليسوا قطعانا تساق إنما وحوش في مسالخ البشر، حينما يزأرون فلن تكون، وستبوء بالخسران المبين.
إن الرجال لا يقهرون، ولو استطعت أن تخدع العالم بعض الوقت، فلن تستطيع أن تخدعهم كل الوقت، إنما هي مسألة وقت.
فقط افتح صفحات التاريخ المطوية، وستعلم حقيقتك الدنية وستعلم من نحن، ومن نكون؟
لا تسقني كأس الحياة بذلة
بل واسقني بالعز كأس الحنظل
كأس الحياة بذلة كجهنم
وجهنم بالعز أطيب منزل