عندما تفقد الأرض ربانها
د. أحمد الطباخ
تمر البشرية بمرحلة فارقة إذ تحوطها الازمات من كل ناحية حيث غابت فيها الشرائع الالهية والضوابط الاخلاقية والثوابت الشرعية وضعف منطق العقل وساد منطق العضلات والانياب فازداد الفقير فقرا والضعيف ضعفا كما ازداد القوي قوة وازداد الغني غني، ولم يعد للعدل صوت ولا للانسانية منطق، وفقدت الأرض ربانا يقودها إلي طريق النجاة، فقد غاب النور الذي يهدي والحادي الذي يرشد إلي سواء السبيل، وباتت البشرية تنشد خلاصها وتنتظر منقذها، وكأني بأهل الأرض يعيشون المرحلة التي كان عليها الناس قبل بعثة النبي صلي الله عليه سلم، فكان مبعثه فتحا للارض ونصرا لاهل الحق وانقاذا للبشرية بأسرها، وقد صور ذلك أبو الحسن الندوي في كتابه الرائق الذي وسمه وعنون له: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، فقد بعث محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم والعالم بناء أصيب بزلزال شديد هزه هزا عنيفا ، فإذا كل شيء في غير محله نظر الي العالم بعين الانبياء فرأي انسانا قد هانت عليه انسانيته رآه يسجد للحجر والشجر وكل ما لا يملك لنفسه النفع والضرر
رأى معاقرة الخمر إلي حد الإدمان والخلاعة، والفجور إلي حد الاستهتار وتعاطي الربا إلي حد الاغتصاب واستلاب الأموال
رأى الطمع وشهوة المال إلي حد الجشع والنهامة وراي القسوة والظلم إلي حد واد البنات وقتل الاولاد ورأى ما يمور به المجتمع من نظام أصابه العطب واعتوره الخلل والعالم فوضى لا ترى صنما إلا وقد هام بصنم، وليس لها كاشفة من دون الله، فاستطاع صلى الله عليه وسلم في سنين معدودات أن يغير وجه الأرض برحمته الواسعة، ولين جانبه وطيبة قلبه وذكاء عقله وحصافة لبه وفصاحة لسانه وجوامع كلمه وسعة صدره، وصحة اختياره للرفقة والخلة المخلصة دون جلبة ولا صخب ولا حشود ظالمة، وإنما بتواضعه ورقته.
كانت كل خلال وصفات القيادة المبهرة تجمعت في شخصه العظيم، وكل الأخلاق العظيمة وكل المهارات المعجزة تجمعت في ربان عظيم قاد سفينة النجاة إلى بر الأمان بعد أن أعد العدة ومهد الطريق وحافظ على كل مكوناتها ، وإنما استمد كل مقومات النجاة بالعدل والمساواة التي حرص على إرسائها، وتثبيت أركانها فلا ظلم ولا تفاضل بلون أو جنس، وإنما لا فرق بين عربي وأعجمي ولا بين أبيض وأسود إلا بالتقوى، والعمل الصالح الذي لحمته الإخلاص والاتقان .