مقال

أربع آيات فيهن غنى وغناء

د. أحمد الطباخ
أنزل الله القرآن على رسوله المصطفي – صلى الله عليه وسلم – هدى وهداية وشفاء ورحمة للعالمين فقد تتابعت الآيات تتنزل لإصلاح الكون وعمارة الحياة وهداية البشرية وشفاء الإنسانية من أمراض مزمنة لحقت بها فجعلتها تعيش تعاسة ماحقة وانتكاسة مدمرة وبهيمية قاتلة وحيوانية هابطة فكانت آيات القرآن تشير إلى تكريم الله للإنسان بما جاء فيها من فقه وتشريع وتعظيم لقيمته وتنظيم لحياته فأخذ الصحابة من القرآن ما به أقاموا حياتهم وقوموا اعوجاجها وأصلحوا نفوسهم ونقوا قلوبهم ووضعوا أيديهم على آيات من كتاب الله وجدوا فيها ضالتهم المنشودة واستشفاءهم من أمراض قلبية وهذا وكما قيل خذ من القرآن ما شئت لما شئت ففي وقت ما تغلق الدنيا في وجوههم يأخذون في تأمل آيات الذكر الحكيم ليجدوا الآيات التي تفتح لهم أبواب الأمل فيقول عامر ابن عبد القيس العنبري: أربع آيات من كتاب الله إذا قرأتهن مساء لم أبال على ما أمسي وإذا تلوتهن صباحا لم أبال على ما أصبح؛ الأولى: قول الله تعالى:{مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة فاطر، الآية: 2)، والآية الثانية قول الله تعالى :{إِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (سورة يونس، الآية:107)، والآية الثالثة قوله تعالى :{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (سورة هود، الآية: 6)، والآية الرابعة قوله تعالى :{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}(سورة الطلاق، الآية:7)
إنه اليقين في الله أنه الفاتح للرحمات الذي بيده ملكوت السموات والأرض فلا خير إلا منه ولا يرد فضله أحد من خلقه فيصيب من يشاء من عباده الذين عرفوه فرزقهم على الله وسيجعل بعد كل كرب فرجا وبعد كل عسر يسرا .
لقد فلحت و انتصرت الأمة الإسلامية وصنعت الأمجاد عندما تمسكت بهذا الكتاب الذي لا ريب فيه وعرفت كيف تتعامل معه وتأخذ منه ما به فلاحها وانتصارها فأخذ علماء الطب النفسي منه علاج النفوس وأدوية القلوب وأخذ علماء التاريخ من القرآن علم السير والأخبار لأمم سبقت وحضارات اضمحلت وآثار تلاشت وبقيت أثرا بعد عين وأخذ علماء اللغة والأدب من القرآن ما صنع وجدانا ساميا ومشاعر متجددة وعلوما صارت هي قوام الالسن ومنهاج المنطق.
وقد سمى الله القرآن رحمة بعد أن نعته بأنه الشفاء فقال الله تعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (سورة الإسراء، الآية:82)، ولذلك حرص السلف على تربية أولادهم على تربية أولادهم على مأدبة القرآن؛ فقد روي أن عتبة بن أبي سفيان أوصى مؤدب ولده فقال: ليكن أول إصلاحك بُني إصلاحك لنفسك فإن عيوبهم معقودة بعيبك ، فالحسن عندهم ما فعلت والقبيح ما تركت وعلمهم كتاب الله. ويقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: لم يكن بد من إنزال هذا القرآن وإرسال محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرس في الأرض أعواده ثم ينتصب لحراستها حتى تزهر وتثمر كانت الأرض قبل بعثته سجنا كبيرا للحقائق والحقوق…. وشقوة الناس جاءت من طريقين: إما الجهل بسبل الخير وفقدان الوسائل إليها كما يفقد الضرير نعمة البصر وإما معرفة هذه السبل على وجه نظري بحت والزهد في تطبيقها لغلبة الأهواء وشيوع المظالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى