مقال

التاريخ لا يعيد نفسه.. بل يُعيد تشكيلنا

مقال

سحر الزراعي | الإمارات العربية المتحدة 

مع حضور اليوم الأول للقمة العالمية للحكومات 2025، لم يكن الأمر مجرد متابعة لجلسة عابرة، بل فرصة للتعمق في الطروحات التي تشكّل ملامح المرحلة القادمة. في حديث معالي محمد القرقاوي، لم يكن المشهد مجرد كلمات تلقي الضوء على التحديات، بل كان تفكيكًا دقيقًا للواقع، وإعادة ترتيب للمعادلات التي لم تعد تحتمل الجمود. هذا تحليلي لما دار في الجلسة التي حضرتها.

لم يكن القرقاوي يستعرض الأحداث، بل كان يعيد ترتيبها بوعي شديد. حين قال: “من لا يتعلم من التاريخ، سيكرر أخطاءه”، لم يكن ذلك مجرد تحذير، بل إشارة واضحة لأولئك الذين يظنون أن المستقبل يُبنى على العفوية، دون قراءة واعية لمتغيرات الزمن.

نحن لا نعيش في عصر التحولات، بل في عصر التسارع. ما كان يستغرق قرنًا ليحدث، بات اليوم مسألة أعوام، وأحيانًا شهورًا. هذه ليست مجرد طفرة تقنية أو اقتصادية، بل تغيّر جذري في بنية الوجود نفسه. القوة لم تعد في امتلاك الموارد، بل في امتلاك القدرة على التكيف. ومن يفشل في مواكبة الزمن، لا يتركه الزمن خلفه، بل يبتلعه تمامًا.

الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية، إنه فلسفة جديدة في إعادة تعريف الإنسان لنفسه. الاقتصاد الرقمي ليس مجرد أداة، بل هو مبدأ ينسف الحدود التقليدية للأسواق والسلطة والنفوذ. كل هذا يجعل من الحكومات، كما من الأفراد، أمام اختبار وجودي: هل يمكننا أن نفكر خارج الأطر التي صنعناها لأنفسنا؟

السلطة لم تعد في يد من يحكم، بل في يد من يفهم. والمستقبل ليس ملكًا لمن يمتلك القوة، بل لمن يمتلك الإدراك. لهذا، لم يكن خطاب القرقاوي عن الحكومات بقدر ما كان عن الوعي ذاته! ذلك الوعي الذي إن لم يستيقظ في اللحظة المناسبة، لن يكون له وقت لاحق ليصحح أخطاءه.

إننا لا نقف على مفترق طرق، بل وسط عاصفة. والذين يبحثون عن خارطة طريق، ربما عليهم أولًا أن يتأكدوا أنهم لا يزالون على اليابسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى