الفيس بوك ماله وما عليه

بشرى بو غلال | المغرب

في مطلع سبعينيات القرن الحادي والعشرين شهد العالم قدوم مولود جديد أتى بلمح البصر ومن دون سابق إنذار مطلقا صرخته الأولى في مسقط رأسه بالولايات المتحدة الأمريكية ليغير بقدومه مجريات الأحداث وينهض من مهده مختصرا كل مراحل التشكل والنمو ليطلق العنان لساقيه في أسرع جولة حول الكوكب فما كان لهذا الوافد الجديد سوى المضي قدما في غزوه مُحدثا لا بل مُفجرا أكبر ثورة معلوماتية في تاريخ البشرية.
مكتسحا بجبروته أضخم المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عبر العالم في غزو رهيب منه لأجل الأخذ بيدها نحو التطور والنجاح.
وفي ظل هذا التقدم العلمي الملحوظ والزحف الإستعماري للشبكة العنكبوتية، واحتلالها لكل بقاع العالم بدون استثناء أو تريث، وكان لهذا السباق الرقمي والمعلوماتي الذي اكتسح عالمنا الكبير وقعٌ كالخيال بحيث صار بمقدور بني البشر إنجاز أكبر الصفقات الرابحة وإتمام جل الأعمال المعقدة بضغطة زر سحرية.
ففي العقد الأول للألفية الثالثة تم إخراج أول فضاء أزرق للوجود من طرف الشاب الأمريكي مارك زوكربيرغ والذي كانت برمجته الفايسبوكية بمثابة قفزة نوعية في تاريخ السوشيال ميديا وتبادل المعلومات والبيانات حول العالم، مفسحا الطريق أمام تعارف سلس وسهل لكل الأجناس والشعوب وصلة وصل بين أطراف العالم المترامية.
مختزلا آلاف الكيلومترات بما يشبه السحر في أحرف رسائل نصية ومكالمات فيديو تخترق حدود المكان والزمان حتى تكاد تشعرك بأن المخاطَبَ المتكلمَ واقف بين يديك..
وكما نعلم بأن لكل اختراع حسناته فكذلك تبرز النقمات في المنتصف مبدية عن رغبتها الملحة في التمكن من بني البشر ودفعهم ضريبة الاستمتاع والراحة، وعلى هذا الأساس لم يخلو فضاء مارك من السلبيات والمخاطر المتربصة بمستخدميه مزيلا الستار عن وجهه المظلم، ومعلناً عن حقبة جديدة من الحروب الإلكترونية والاختراقات المقرصنة لحسابات فايسبوكية منتهِكة كل اختصارات الخصوصية للأشخاص ومتجاوزة كل الخطوط الحمراء لقدسيتهم وسرية محتوى صفحاتهم.
فبينما نحن نتصفح مقالا أو نكلم عزيزا نفاجأ برسائل مزعجة من أشخاص متطفلين لا شأن لهم بإتيكيت وفن التعامل على مواقع التواصل الاجتماعي لا بل في الحياة عامة، من دون أي هدف وأي منفعة تذكر وبنزعة انتقامية منتهكين حرمة غرفنا الافتراضية محولين هدوئها إلى جملة ضجيج مزعجة.
ليدخل بعض فقراء الأدب في ردود أفعال صادمة و اعتداءات لفظية لمجرد تجاهلهم وعدم تمكينهم من خفايا شخصياتنا، وقد يصل بهم الأمر إلى ابتزاز ضحاياهم بصور ومقاطع فيديو ذات محتوى إباحي أو حتى بتسجيلات صوتية ذات طابع جنسي، مستغلين بذلك ضعف فرائسهم العُزَّل والتمكن منهم مما قد يدفع الكثيرين منهم للاستمرار في الخطأ تحت وطأة التهديد والابتزاز.
وقد يسوء الأمر بكثير منهم ويلقي بهم في براثن الإكتئاب ومحاولة الانتحار في انتفاضة بائسة للهروب والنجاة من جحيم الفضاء الملعون.
فالحذر وكل الحذر تفاديا للوقوع في ورطته كما يجب التعامل معه بذكاء إضافي لمن أراد النجاة من لعنة الفايسبوك والنفاذ بريشه فليس كل ما يلمع من ذهب، وليس كل ذي لون أزرق آمن ومحفوظ.
لكن بالرغم من مساوئه التي ألقت بظلالها على مختلف شرائح المجتمع فحتما له منافع بحجم عكسها وأكثر، فلولا صنيع مارك هذا لما تمكن الإنسان من التواصل بسرعة البرق مع بني جلدته والإستفادة من أهم البرامج الثقافية والعلمية ذات الصدى العالمي.
ولولاه لما حظينا بشرف التعرف إلى من تنحني لهم الرؤوس وتُرفَعُ لهم القبعات احتراما من أولي العلم والمعرفة ،ومن شخصيات العالم الضاربة في العمق.
ففي كل مرة نحاول فيها تحليل جانب من الجوانب الفايسبوكية المعقدة نجد أنفسنا كمن يحاول الإبحار في محيط واسع وعميق، ولا بد لنا من العودة للشاطى ريثما نأخذ نفسا أعمق و قدرة أكبر على العوم حتى نستأنف رحلتنا بحثا عن بر الأمان على شواطئ العم زوكربيرغ لعلنا نبلغ الغاية والمنتهى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى