أدب

رحلتي إلى مملكة لغة الضاد

رسل العبيدي | العراق

في ليلةٍ ساكنة، وبينما أقلب صفحات كتابي، انبثق نورٌ من بين السطور، وإذا ببابٍ نوراني ينفتح أمامي، كُتِب عليه بخطٍّ من ذهب:
“مملكة لغة الضاد… عالم الحرف والجمال.”

خطوتُ إليه، فإذا الطرقات مفروشة بالحروف، والسماء مرصَّعة بالكلمات، والنسيم يعزف لحن الجمل.

المحطة الأولى: صرح لغة الضاد (الأم)

كان أول ما صادفني صرحٌ شامخ، تتلألأ جدرانه بآياتٍ من الجمال، ونقوشٍ من نور البيان. جلست في صدره معلمةٌ جليلة، تضم بين يديها مصحفًا، وفي الأخرى كتابًا من كتب القواعد، وخلفها مكتبةٌ عامرة بالشعر والبلاغة والأدب.
قالت بصوتٍ مفعم بالحنان والوقار:
“أنا لغة الضاد… أمُّ العلوم، ولسانُ الأمة، وحارسةُ الهوية. أنا الجمال والمعنى، أنا القرآن والنحو، أنا الشعر والبلاغة، أنا القصة والمسرحية. مني تنبثق الفروع، وإليّ تعود، فأنا أصلُ البيان، وسيدةُ اللغات.”

المحطة الثانية: صرح النحو

رأيت شيخًا مهيبًا يحمل ميزانًا من ذهب، قال بصوتٍ جهوريٍّ رزين:
“أنا النحو… حارسُ النظام، وسيدُ القواعد. أرفعُ الفاعل، وأنصبُ المفعول، وأجرُّ المضاف إليه. بي تنتظم الجمل، ويُفهم المعنى، وأحفظُ للغة جمالها وانضباطها.”

المحطة الثالثة: صرح البلاغة

خرج إليّ أميرٌ أنيق، يتلألأ بين يديه بريقُ الصور، وقال مبتسمًا:
“أنا البلاغة… صانعُ الجمال. أجعل الكلمة زهرةً، والجملة لوحةً، والمعنى قصيدة. بي تتحدث الصور، وتغنّي الكلمات، ويشرق الحرف نورًا وبهاءً.”

المحطة الرابعة: ورشة الصرف

في ركنٍ مضيء، رأيت مهندسًا نشيطًا يحمل أدواتٍ دقيقة، قال وهو يعمل:
“أنا الصرف… مهندسُ الكلمة. أغيّر أشكالها، وأضبط أوزانها، وأحوّل الجذر إلى مئات الصور، وأمنحها حياةً نابضة بالمعاني المتجددة.”

المحطة الخامسة: محكمة النقد

في ساحةٍ فسيحة، جلس قاضٍ حكيم، نظر إليّ بعينٍ ناقدة، وقال بصوتٍ عميق:
“أنا النقد… ضميرُ الأدب. لا أخدع بجمالٍ مصطنع، ولا يغرّني زخرفُ الكلام. أكشفُ مواطن القوة والضعف، وأهذب النصوص، وأرشدُ الكتّاب إلى دروب الإتقان.”

المحطة السادسة: حديقة الأدب

بين أشجارٍ تتدلّى منها القصائد، وأزهارٍ تتفتّح منها الروايات، رأيت شيخًا وقورًا يقول:
“أنا الأدب… الحكاية التي تُروى، والقصيدة التي تُغنّى، والمسرحية التي تُعرض، والرواية التي تُكتب. أنا روحُ لغة الضاد، وسرُّ خلودها.”

المحطة السابعة: معبد العروض

رأيت رجلًا يحمل ساعةً إيقاعية، يطرق بها على أنغام البحور، وقال بفخر:
“أنا العروض… ميزانُ الشعر. أضبطُ موسيقى القصيدة، وأهذبُ الأوزان، وأجعل الشعر يغنّي بإيقاعه الساحر. بدوني يفقد الشعر موسيقاه ونبضه.”

المحطة الثامنة: قاعة الإملاء

دخلت قاعةً يغمرها النظام، وعلى جدرانها لوحاتٌ من الحروف. استقبلني معلّمٌ صارم، قال بحزم:
“أنا الإملاء… حارسُ الشكل والكتابة. بي تُصان الكلمات، وتُكتب صحيحة، وتُفهم المعاني بلا التباس. الخطأ عندي مرفوض، والنظامُ فيَّ مقدّس.”

المحطة التاسعة: مسرح القراءة

على خشبة المسرح، وقف ممثلٌ يقرأ بصوتٍ عذب، يحيط به جمهورٌ منصت، قال وهو يبتسم:
“أنا القراءة… مفتاحُ الفهم، وبابُ المعرفة. من لا يعرفني، يعجز عن الإبحار في بحور العلم والجمال.”

المحطة العاشرة: معمل التعبير والإنشاء

في معملٍ مفعم بالألوان والأفكار، استقبلني معلّمٌ يرتدي معطف الإبداع، وقال وهو يوزّع الأوراق والأقلام:
“أنا التعبير… لسانُ الفكر، وصوتُ الشعور. أجعلك تصوغ أفكارك بحرية؛ تعبّر، تصف، تحكي، تقنع، وتبني عالمك بالكلمات.”

المحطة الحادية عشرة: صالة الخط العربي

رأيت فنانًا ينحت الحروف بريشة الجمال، يخطّها كأنها لوحاتٌ نابضة بالحياة، وقال بفخر:
“أنا الخط… زينةُ الحروف، وجمالُ الكتابة. بي يصبح الحرف تحفةً بصرية، والجملة مشهدًا من الجمال المرسوم.”

المحطة الثانية عشرة: مكتبة الإنشاء الكتابي

في مكتبةٍ تعبق برائحة الحبر والورق، جلس معلّمٌ حكيم، يصوغ من الكلمات عقودًا من المعاني، قال وهو ينظر إليّ بثقة:
“أنا الإنشاء… معلّمُ البناء الكتابي. أرشدك إلى كيفية كتابة مقدمةٍ تأسر، وعرضٍ يبهر، وخاتمةٍ لا تُنسى. معي تصبح الكتابة رحلةً من الإبداع والمتعة.”

نهاية الرحلة

وقفتُ في قلب مملكة لغة الضاد، أنظر إليهم جميعًا… أساتذتي الذين علّموني كيف أنحتُ المعنى من الحرف، وأزرعُ الجمال في الكلمة، وأصوغُ النور بالحروف.
همستُ بامتنانٍ صادق:
“لكم الفضلُ – بعد الله – أنتم من غرس في قلبي حبَّ لغة الضاد، ومنحني مفاتيحَ هذا العالم البهيّ. ما كتبتُ يومًا إلا وكان من نور علمكم، وما خطَّ قلمي إلا أثرًا من جميل أياديكم التي صنعتني وأضاءتْ طريقي.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى