مريم
بقلم : عماد الدين أصفري – رحمه الله –
لم يُخطئوا لمّا سموكِ مريمَ
اسمٌ مُقدَّسٌ لابنةِ عُمرانِ
***
هيَ أمُّ المسيح نبيُّ الهُدى
وأمُّ الصَّبرِ والعطفِ والحنانِ
***
وأنتِ يا مريمُ لستِ إلا كصفوةٍ
في المُثلِ والخُلُقِ والإيمانِ
***
يجولُ بين ضلوعكِ قلبٌ
سيانٌ وربيعُ العمرِ والنُدمانِ
***
زوجوكِ إلى رجلٍ بسيطٍ
لا يفقهُ في مُعاشرةِ الخلّانِ
***
أصبتيهِ بسهمٍ من قلبكِ
وأدميتيهِ بدمٍ أحمرَ قاني
***
وعشتِ بعدهُ لتجديدِ الهوى
عسى لقلبكِ أن يُسعدَ ثاني
***
نثرتِ فؤادًا على العالمينَ
مكلّلًا بتيجان درٍّ ورَيحانِ
***
فعثرتُ عليهِ رُبَّ صُدفةٍ
فأصابَ منّي القلبَ وأدماني
***
وراعَني في عيونكِ سحرَها
وكأنّها سحرُ عيونِ الغُزلانِ
***
ونهودُكِ شامخةٌ كمثلِ جبالٍ
معبودةٍ بين الأُنسِ والجانِ
***
قاسميني الحُبَّ يا مُنيةَ القلبِ
فإنَّ الكرى بعيدٌ عن أجفاني
***
وارحمي قلبًا أضناهُ الهوى
وروحًا تهيمُ مدى الأزمانِ
***
واذرفي عليّ في المغيب
دموعًا لتكون لي وِلفًا في الجِنانِ
***
لكم أرجو أن تكوني بقربي
لنتعانق كما يتعانقُ عاشقانِ
***
فجنّةُ الفِردوسِ في أحضانِكِ
إذا كان هناكَ جنانٌ ونُعمانِ
***
لا نعيمَ يا مريمُ إلا بقربكِ
ولا سعادةَ في الدُّنى إلا بقُبلتانِ
***
من شفاهٍ مورّدةٍ كوردِ زنبقٍ
وخدينِ بلونِ الجوري أحمرانِ
***
كأنهما شمسُ الدُّجى وحُسنُهما
كحسنِ أقمارٍ ونورِ الفرقدانِ
***
تغمّدكِ اللهُ برحمةٍ منهُ
وعنفوانِ رعايةٍ بها غيرُ مُستهانِ
***
أودعتُكِ قلبيَ المُتيَّمُ فاحفظيهِ
وضميهِ لقلبكِ باخلاصٍ وإحسانِ
١٢ / نيسان/ ١٩٥٨
كاتب النص في سطور:
عماد الدين بن محمد حسن أصفري من مواليد مدينة إدلب ١٥ تشرين الأول ١٩٣٥معلم للمرحلة الابتدائية لمدة ٤٢ عامًا، انتُدب للتدريس في الجزائر الشقيق لمدة عامين، ثم عاد ليكمل مسيرته التعليمية في المدينة التي قضى فيها معظم حياته (حلب)، قام بتلحين عدد من أناشيد المنهاج المدرسي وعزفها على آلة العود لتلامذته لسهولة حفظها، ورفض إلحاق أحد من أبنائه أوبناته في صفّه المدرسيّ خشية التفرقة بينهم وبين تلامذته، كما رفض إعطاء أي دروس خصوصية رغم كثرة الطلب عليه ورغم حاجته لعمل إضافي، إيمانًا منه بتحقيق العدالة والمساواة بين جميع المتعلمين.
رُشّح من قبل أفراد عائلة الأصفري الكبيرة والمنتشرة في كل بلاد العالم لاستلام صندوق العائلة المالي لإيمانهم بأمانته ودقته في العمل وعدله في توزيع الحصص المالية لكل من يحتاج من أفراد العائلة، دون تمييز أو انحياز لأي فرد منهم حتى وإن كان فردًا من عائلته نفسها.
كان مربيّاً فاضلًا، محبوبًا من تلامذته ومن جميع من عرفه، طيب القلب، صادقًا نزيهًا.
توفي في بلاد الاغتراب (تركيا) في ٥ شباط ٢٠١٧ والتي اضطر للسفر إليها مع زوجته نتيجة ظروف الحرب القاسية في حلب، مخلفًا عوده وألحانه وأشعاره غير المنشورة وأقوال خالدة دوّنها بخط يده الجميل في دفاتر قد أعدّها خصيصًا لهذا الغرض، وعدد كبير من الخُطب التي أعدها لمختلف المناسبات للكثير من أفراد العائلة، والأهم أنه ترك موسوعة من القيم العظيمة تعلّمها كل من حظي بقربه وصداقته، وحب لا ينتهي للناس قاطبة، جعله نموذجًا يُحتذى للإنسان الحق.