جماليات السرد وسحر المكان في رواية (شمس الواحة)
زليخة عوني | القاهرة
قرأت رواية (شمس الواحة) للدكتورة مرفت محرم، وكان للمكان سحره وحضوره وهي واحة سيوة التي شغلت الكاتبة ورفعتها للكتابة عنها ، والأماكن التي تركت بصماتها على السرد الذي يعتمد على البساطة، وكيفية رواية القصة ومؤثراتها في الوجدان، ويلحقه وصف للمشاهد الداخلية،فنجدها تستهل روايتها في البداية تحت عنوان (سفر الواحة)، بعبارات قصيرة تمهيدا قصصيا لأحداث تالية ..(الصباح يرتدي لون الصفاء بعد عتمة الليل، ينشر أنفاسه نسمات تبث في الروح أملاَ بأن القادم أجمل.).
ويغلب على السرد في الماضي في أمور حدثت، ويحتوي على الظروف المكانية والزمانية والوقائع والأحداث الماضية واعتمادها على أساليب الجمال الأدبية والبلاغية المختلفة التراكيب وربط أحداث اجتماعية واقعية مألوفة لدي القارئ حني يسهل فهمها بشكل صحيح، وإيصال الفكرة إلي القارئ بحيث يتخيل الأحداث وكأنها حدثت في الواقع..
وتقوم بسرد يعتمد على تقنيات التصوير في مقطع تصويري للمشهد الافتتاحي، الذي يؤهل القارئ للدخول إلي عالم الرواية وما سيأتي من أحداث تجعلنا نشاركها متعة الخيال القصصي (الشارع الضيق خلف البوابة يؤدى إلى الغرفة التي يستخدمونها سجناً، يتسع مع نور النهار، بقايا المصاطب يجلس عليها الأجواد، تحت مظلة وباب الجامع العتيق المبني بالكرشيف خارج سور المدينة وفي الجهة الشمالية الشرقية غرفتان واسعتان، كل واحدة منهما مخصصة لأحد الفريقين المتنافسين أحدهما للشرقيين ويسمون التخصيب والثانية للغربيين ويسمونهم “اللغاية” والأطفال يلعبون في الشوارع أمام منازلهم.)
وتذكر الروائية العديد من الأماكن في رواية شمس الواحة، منها: الجبل/ جبل الدكرور الذي يترك بصماته على ملامح البيئة الطبيعية، وكذلك إلى الصحراء التي جعلت الشخصيات( إدارار، تايري، أنارو…) في صراع دائم من أجل العيش والبقاء، لتأتي (العاصفة) بمثابة الحبكة الدرامية في مدينة شالي وهي واحة سيوة، باعتبارها عاصفة التأهب والبحث، فقامت الدنيا ولم تقعد، الجميع يقف يدا واحدة، الصبية يحملون الحجارة فى جلابيبهم،الرجال والأجواد ينطلقون بالأسلحة النارية والبيضاء والزقالون يحملون الزقل الغليظة وأصوات همهمة كالرعد تعلن اختفاء” إدرار” والبحث عنه فى كل شق من الشقوق للإمساك به وتسليمه لسيده”حمد” لمحاكمته بتهمة العشق لهذا الزقال الفاجر،الذي خرج عن أعراف وقوانين القضاء العرفي في سيوه وهو يعلم أنه يمنع الزواج للزقالين قبل سن الأربعين ومن يخالف القانون يقتل.
وتقسم الأماكن إلى أماكن مفتوحة وأماكن مغلقة، من الأماكن المفتوحة الأرض التي كانوا يقطنون بها، وكذلك واحة سيوة التي ذكرت في الرواية، والصحراء التي كانت آخر مراحل تواجدهم فيها، أمّا الأماكن المغلقة التي مروا بها أبطال الرواية منها: وموكب القافلة في مدينة القاهرة والوصول إلي القاهرة شاهدنا المكان الذي قتل فيه المماليك ورأينا البوابة العلوية التي أغلقت أمام المماليك لمنع خروجهم، ويقال أن حوائط الممر الضيق الذي ارتكبت فيه المذبحة تظهر فيه الثقوب التي أحدثها الرصاص ولكننا لم نبحث عنها، وتسترسل في رحلة الوصف بمشاهد المدنية التي بهرت البطل ابن البيئة الصحراوية.
وتبدو جماليات السرد في رواية (شمس الواحة) لتظهر التجربة السردية التي صاغتها المؤلفة و استلهمت أحداثها، من واقع اجتماعي شاهدته في واحة سيوة، وحاولت نسج خيوط درامية بين الشخصيات في بنية سردية متناغمة في سفر قصصي تستعرض ملامحه من تاريخ الواحة الاجتماعي، وإلقاء الضوء علي العادات والتقاليد التي انعكست على العلاقات الحياتية من خلال شخصية “إدرار” من الأمازيغ بطل الرواية الذي يدخلنا إلي عالمه (ملامحي الزنجية تميزني فشعري المجعد، ولوني الأسود اللامع ، وطولي الفارع مع ضخامة جسمي تلائم اسمي “ادرار ” وهي الجبل باللغة الأمازيغية.
خطفني تجار الرقيق من أهلي في شمال أفريقيا وأنا طفل لم أتجاوز الثلاث سنوات وقاموا ببيعي في واحة سيوة، نشأت وتعلمت الزراء مع أسرة طيبة احتوتني منذ الصغر، كنت مغرما بمدينة “شالي الهود” ألعب وعلى يد شيخي “رحيم” حفظت القرآن الكريم، الذي اعتني بي وعلمني اللغة العربية ، والتي صارت لغتي الثانية.
ويكشف السرد عن رحلة إدرار في عالم العشق والتصوف الروحاني مع الدراويش في (لقاء الحسين) مع الشيخ البكري، و(في حضرة المحبوب) تتجلي الروحانيات بفيض من النور يتكشف مع (سر الجبل) الذي يبوح بأنشودة الحياة للعاشق الغريب، ويظل مرتبطا وجدانيا مع الواحة التي تناديه للعودة فيقرر في ( عودة العاشق) أن يعود طوعا لعشقه للوطن شالي: سيوة، والحبيبة/ تايري،وتستيقظ (شمس العشق) في القلوب بعد المتاهة ليهتدي لطريق النور بأجنحة هواها النورانية إلى جنة مأواها أنها تبشر بالعشق دينا للبرية، وفي مشهد النور تنكشف الرؤية مع طقوس( العرس) وعين الغولة التي تتربص في الخفاء، فيرصد ما حدث في لوحات من تغيرات اجتماعية كشفت عنها أحداث الرواية.