أحاديث المخيم والسينما المتحركة

محمد حسين | كاتب فلسطيني

أيها المسكون بالأسطورة دلني على مصدر الحكاية لديك. أهي رسالة من السماء،! أم سحابة مجنونة تداهم براعم القلوب، أيها المتعالي فوق الجراح النازفة، كيف تضمد جراحك وتمضي مع رائحة الزعتر.

أيها المجبول بعرق الكلمات كيف تجاوزت الإلياذة والأوديسة برواياتك؟

أنا المخيم يا صديقي في كل زقاق من تفاصيل جسدي رواية، و في كل زاوية شاهد وشهيد وزغرودة امرأة وقهقهة طفل وقلم. ومن هنا تبدأ الحكاية..

في أحد النهارات المشمسة يلتقي عبد الكريم أبو حمده وعبد القادر خليفه ومحمد زعزع بالقرب من بقالية الحج مطاوع ورجا نصار وفي الطريق الممتدة إلى غرفة ضابط المخيم، عند هذا التقاطع المكتظ بالشباب اليافعين يتأملون المارة وعلامات الخوف والحذر تبدو جلية على وجوههم، وهم يأخذون نفسا عميقاً من لفافة تبغ يكاد دخانها يفضح أسرارهم..وعادة ما يخفونها خلف ظهورهم كي لا ينكشف أمرهم من أحد معارفهم و تكون المصيبة أكبر إذا انتقل هذا الخبر للأباء أو معلم المدرسة

عبد الكريم: (اسمعت يا شباب بكرا السياره الزرقا قادمة لعرض فلم عند الخزان.
عبد القادر؛ (اسمعت والله.. بس الأفلام يلي بعرضوها بايخه عن رشدي أباظة وفاتن حمامه
محمد زعزع: أحلى شي بس يعرضو بالمقدمه فلم كرتون عن الكريات البيض كيف تدافع عن الجسم كأنها أجواء حرب …

عبد الكريم : (نحنا ما بدنا هيك أفلام للتسلية بدنا شي مفيد على كل حال خلينا نجهز البزر والقظامه من اليوم لأن بكرا ماراح نلاقي بزر وقظامه بالدكاكين الناس بتهجم عليهم وما بتخلي شي…

وفي اليوم التالي تحضر السيارة الزرقاء، وفي المكان المحدد عند الخزان، يتجمع أهالي المخيم بكافة فئاتهم … الكبار والصغار والنساء، وكأنك في حفلة عرس، يحملون في أيديهم الحصر والبسط والكراتين ليجلسوا عليها .
عبد القادر مخاطبا مشرف العرض السينمائي (شو بدكوا تعرضوا اليوم…. لا تحكيلي صباح وسهير رمزي)
المشرف على العرض ؛ أفلامنا ترفيهية … للترفيه عن النفس

محمد زعزع: (لا مابدنا هيك …. بدنا أفلام تحكي عن الفدائيين … عن النكبة … عن فلسطين …

عبد الكريم : (لازم نعرف تاريخ بلادنا مشان… وهيك بتعرف كيف بتدافع عنها… فدائية ولآخر حد فدائيه
مشرف العرض: أنا لا أستطيع أن أعرض هكذا أفلام لأن سياسة الوكالة لا تسمح بذلك وتعتبره تحريضا على العنف.

عبد القادر: بغضب (يصرخ في وجه المشرف) المقاومه وتحرير البلاد ليست عنفا أنتم تحاولون طمس قضيتتا… نحنا ما بدنا نحضرها… أحضرها لحالك…. قال ترفيه قال: يلا شباب …. تعلو صيحات الشباب

وتسود الفوضى يتعطل العرض لساعة حتى يهدأ الجميع، يبدأ المشرف بتشغيل الفيلم من جديد، ينسحب الشباب الثلاثة احتجاجا يلحق بهم بعض الشباب المتحمس .

عبد الكريم: نحن في زمن المقاومه ولسنا في زمن الترفيه…..

الشباب الثلاث هم شهداء اثنان قبل عام ٨٢ والثالث عام ٨٣

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى