من الجامعة إلى المطار – طموحات عليا في قبضة التعليم العالي
من مفارقات الدراسات العليا بالجامعات العراقية

بقلم: حسنين آل دايخ
في السنوات الأخيرة، شهد العراق موجة متزايدة من سفر طلبته إلى الخارج من أجل إكمال الدراسات العليا، خصوصًا مرحلتي الماجستير والدكتوراه.. وهذا التوجه لم يكن نتيجة رغبة في الهجرة أو تفضيل لنظام التعليم الأجنبي فحسب، بل جاء في كثير من الأحيان كخيار قسري نتيجة سياسات وتعليمات وزارة التعليم العالي العراقية، التي باتت تعرقل طموحات الطلبة أكثر مما تُيسّرها.
من أبرز العوامل التي دفعت الطلبة نحو الخارج هي فرض الوزارة لامتحانات وطنية مركزية، مثل الامتحان التنافسي الذي أصبح شرطًا أساسيًا للقبول في الدراسات العليا، هذا الامتحان يُقام مرة واحدة سنويًا، ويتطلب تحضيرًا مكثفًا، ويعتمد على نمط أسئلة صارم لا يراعي تنوع الخلفيات الأكاديمية للطلبة، والأسوأ من ذلك أن النجاح في الامتحان لا يضمن القبول، بل يجب أن يكون الطالب ضمن أعلى المعدلات بناءً على عدد المقاعد المتاحة، وهي غالبًا قليلة جدًا.
ومن المفارقات العجيبة أن الجامعات العراقية، رغم توفر الكوادر والأبنية، تحدد عددًا قليلًا جدًا من المقاعد لكل تخصص في الدراسات العليا، ما يجعل التنافس شرسًا وغير عادل في كثير من الأحيان، يضاف إلى ذلك ارتفاع الأجور الدراسية للدراسة الصباحية أو المسائية، بحيث لا يستطيع كثير من الطلبة تغطية التكاليف، خاصة مع ضعف الوضع الاقتصادي العام.
في مواجهة هذه التحديات، يلجأ آلاف الطلبة العراقيين سنويًا إلى دول مثل إيران، مصر، الأردن، ولبنان لإكمال دراساتهم العليا، هذه الدول تُقدم نظم قبول أكثر مرونة، وتكلفة معيشة ودراسة يمكن التحكم بها نسبيًا، إضافة إلى غياب التعقيدات التي تفرضها الوزارة في العراق، ولعل بعض هؤلاء الطلبة يمتلك كفاءات علمية عالية، لكنه أُقصي من القبول في بلده نتيجة الفجوة بين نظام القبول وواقع الطلبة (#وهذا_ما_حدث_معي)
هذه الظاهرة لا تعني فقط خسارة الطالب العراقي للوقت والجهد والمال، بل هي خسارة للدولة نفسها، فحين تضطر الكفاءات إلى الدراسة والعمل خارج العراق، فإن البلاد تُفرّغ تدريجيًا من طاقاتها العلمية الشابة، في الوقت الذي هي بأمس الحاجة إليهم في إعادة بناء المنظومة الأكاديمية والبحثية.
إن الإصلاح الحقيقي للتعليم العالي لا يكون بتعقيد الشروط وتعليق الطموحات على حبال الامتحانات، بل بتوسيع فرص القبول، وتخفيف الأعباء المالية، وتحسين العدالة في التنافس. فحين يشعر الطالب أن بلده يحتضن طموحه لا يقمعه، لن يفكر بالرحيل بحثًا عن شهادة أو فرصة.




