مقال

طفل التوحد.. عندما تواجه “عشوائية الحياة” ويصطدم مع حاجة الفرد لتحقيق حالة من المساواة.

شيرين ابو خيشة | القاهرة

اضطراب طيف التوحد من الاضطرابات التي ظهرت ومازالت مبهمة إلى يومنا الحاضر فهو من أكثر الاضطرابات النمائية صعوبة بالنسبة للطفل نفسه ولوالديه ولأفراد الأسرة الذين يعيشون معه ويعود ذلك إلى أن هذا الاضطراب يتميز بالغموض وبغرابة أنماط السلوك المصاحبة له وبتداخل بعض مظاهره السلوكية مع بعض أعراض إعاقات واضطرابات أخرى فالتوحد يصيب الأطفال دون سن الثلاث سنوات عمر اللعب الجماعي التفاعلى والبدء بتكوين بيئة ثانية وهي بيئة الأصدقاء والشارع ولكن وبدون سابق إنذار يلاحظ على الطفل التوحدي البدء بالانعزال وعدم التواصل واللعب مع الأقران وعدم القدرة على التواصل اللفظي والبكاء واللعب أو الضحك بدون سبب وغيرها من الأعراض التي تجعل الاهتمام بهذه الشريحة أمرًا مهما من أجل تخفيف تلك الأعراض وإمكانية جعلهم يتكيفون مع الإعاقة والمجتمع وتحاول هذه الورقة إلقاء الضوء على الجوانب المحيطة بهذا الاضطراب والتطور التاريخي لاضطراب التوحد والخصائص التي يتصف بها الأطفال المتوحدون والعوامل المؤدية له يلى هذا الجوانب التشخيصية
البدايات التاريخية للتوحدأول من تحدث عن التوحد هو العالم هيلر وسماه الخرف الطفولي ثم جاء العالم بوتر وتحدث عن الشيزوفرينا الطفولية ثم العالم كارنر 1943م يعتبر كانر أول من أشار إلى اضطراب التوحد كإضطراب يحدث في الطفولة والذي قام بفحص مجموعات من الأطفال المتخلفين عقليا بجامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية ولفت اهتمامه وجود أنماط سلوكية غير عادية لأحد عشر طفلاً كانوا مصنفين على أنهم متخلفون عقليا إلا إنه لاحظ أن سلوكياتهم لا تتشابه مع أي اضطرابات عرفت آنذاك حيث أطلق على هذه الفئة من الأطفال مصطلح التوحد الطفولي حيث وجد “كانر أن هذه الفئة من الأطفال تعانى من مشكلات عديدة منذ الطفولة المبكرة تتمثل في قصور واضح في التواصل اللفظي كظهور الصدى الصوتي وعكس الضمائروردود فعل غير عادية للبيئة ويميلون لحالة من العزلة والانسحاب الشديد وعدم القدرة على الاتصال بالآخرين والتعامل معهم ويوصف أطفال التوحد بأن لديهم أضطرابات لغوية حادة ،حيث لاحظ استغراقهم المستمر في انغلاق كامل على الذات والتفكير المتميز الذي تحكمه الذات أو وتبعدهم عن الواقعية بل وعن كل ما حولهم من ظواهر أو أحداث أو أفراد، حتى لو كانوا أبوية أو أخوته فهم غالباً دائمو الانطواء والعزلة ولا يتجابون مع أي مثير بيني في المحيط الذي يعيشون فيه كما لو كانت حواسهم الخمس قد توقفت عن تحويل أي المثيرات الخارجية إلى داخلهم التي أصبحت في حالة انغلاق تام وبحيث يصبح هنالك استحالة لتكوين علاقة مع أي ممن حولهم
كون التوحد حالة من الاضطراب تصيب الأطفال في السنوات الثلاثة الأولى من العمر حيث يشمل الاضطراب عدم قدرة الطفل على إقامة علاقات اجتماعية ذات معنى وأنه يعاني من اضطراب في الإدراك ومن ضعف الدافعية ولديه خلل في تطور الوظائف المعرفية وعدم القدرة على فهم المفاهيم الزمانية والمكانية ولديه عجز شديد في استعمال اللغة وتطورها وأنه يعاني من ما يوصف باللعب النمطي وضعف القدرةعلى التخيل ويقاوم حدوث تغييرات في بيئته من إعاقة في العلاقات الاجتماعية ونمو لغوي متأخر أو منحرف عن المسار الطبيعي.
زياده الاضطرابات المتنوعة في الأعراض والعمر عند الإصابة له علاقة بالاضطرابات الأخرى كالإعاقة العقلية وتأخر اللغة والصرع فهناك تنوع في أعراض التوحد بين الأطفال وضمن الطفل بنفسه بمرور الزمن فلا يوجد سلوك منفرد بشكل دائم للتوحد ولا يوجد سلوك يستثني تلقائياً الطفل من تشخيص التوحد حتى مع وجود تشابهات قوية خصوصاً في العيوب الاجتماعية .
إعاقتة التطورية تؤثر بشكل ملحوظ على التواصل اللفظي وغير اللفظي والتفاعل الاجتماعي وتظهر الأعراض الدالة عليه بشكل ملحوظ قبل من الثالثة من العمر وتؤثر سلبياً على أداء الطفل التربوي والحركات النمطية ومقاومته للتغير البيئي أو مقاومته للتغير في الروتين اليومي إضافة إلى الاستجابات غير الاعتياديه أو الطبيعية للخبرات الحسية
يظهر التوحد بمظاهره الأساسية في الثلاثين شهراً الأولى من العمر ومنذ عام 1943 استخدمت تسميات كثيرومختلفة.
ويطلق على هذه المرحلة مرحلة الدراسات الوصفية الأولى وهي تلك الدراسات التي أجريت في الفترة ما بين أواسط وأواخر الخمسينيات من القرن الماضي وكان الهدف الذي تسعى إلى الوصول لوصف سلوك الأطفال التوحديين وأثر الاضطراب على السلوك بصفة عامة حيث اهتمت تلك الدراسات بالأطفال ذوي التوحد الطفولي المبكر حيث كان يشخص اضطرابا التوحد على أنه أحد ذهانات الطفولة بالإضافة إلى الأنماط الأخرى من اضطرابات الطفولةوقد سعى تحلل نتائج هذه الدراسات التي اشتملت على الكثير من المعلومات غير أنه لوحظ أن عدم التجانس بين المجموعات أو أفراد المجموعات الموصوفة في هذه الدراسات سواء بالنسبة للعمر الزمني أو المستوى العقلي أو أساليب التشخيص أو تفسير الأسباب قد أدى إلى الحصول على القليل من الاستنتاجات التي يمكن أن توضع في الاعتبار عند دراسة هذا الاضطراب على المدى الطويل .
كانت المرحلة الثانية امتداداً واستمراراً للمرحلة الأولى وهو فيكتور لوتر “ الدراسات التي أجرها في هذه المرحلة وكانت منذ أواخر الخمسينات إلى أواخر السبعينات لا تزال في طور التقارير المبدئية للآثار الناجمة عن التوحد “ .
كما أنه ركز على التطورات المحتملة في القدرات والمهارات لدى الأطفال التوحديين نتيجة التدريب ومن بين الأسماء التي شاركت في دراسات ( 1960 ) “ وميتر “ هذه المرحلة مايكل روتر هذه المرحلة بشكل عام ساعدت بشكل جوهري على التكهن فيما بعد بوضع معايير تشخيصية لحالات اضطراب التوحد .
وفى عام 1960 طرح برونو بتليهم نظريته الخاصة عن طبيعة اضطراب التوحد والتي ارجعت التوحد إلى أن مشاعر الآباء الباردة هي السبب الرئيس لهذا الاضطراب ،وتم استخدام مصطلح الأم الثلاجة لوصف ضعف واستسلام وتبلد مشاعر الأم الذي ينعكس على الطفل ويتسبب في انسحابه من الواقع إلا أن بيرنارد ريملاند وضع كتاب بعنوان التوحد الطفولي ودحض فيه الفكرة القائلة أن التوحد ينتج عن أنماط سيئة من الآباء والأمهات وأكد على التعامل مع التوحد بوصفه اضطرابا عصبياً وبيولوجياوفي أواخر السبعينيات طرحت لورنا وينج إطارا جديدا ووصفت النظرية المعروفة بثلاثية وينج التي تسلط الضوء على ثلاثة أبعاد جوهرية هي الاضطراب الاجتماعي وضعف التواصل الكلامي والاضطراب السلوكي
كما أشار كريك عام 1961م إلى ضرورة توافر تسع خصائص مجتمعة في الطفل ليصنف على أن لديه اضطراب التوحد وهي اضطراب في العلاقات الانفعاليةواضطراب في الهوية الذاتية بشكل غير مناسب للعمر والمحافظة على روتين معين ورفض أى تغيير في البيئة التي اعتاد عليهاوانشغال غير طبيعي بأشياء محددة وقلق وتوتر غير طبيعيين وبشكل متكرر وعدم القدرة على النطق أو عدم اكتساب طبيعي للغة وأنماط حركية مضطربة وشاذة وردود فعل غير طبيعية تجاه المثيرات البيئية الحسية مع تباين شديد في نمو القدرات الذهنية بين تأخر شديد أو قدرات عقلية غير متوقعة
وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية عام 1975م الدليل التاسع التصنيف الأمراض (9-ICD) حيث فرقت بين التوحد وفصام الطفولة وقسمت التوحد إلى أربع فئات هي توحد الطفولة والاضطراب الذهني التفككي واضطراب عقلى طفولى نمطى واضطراب غير محدد ومنذ الوقت الذي وصفت فيه الرابطة الأمريكية للأطباء النفسيين اللائحه التشخيصية الإكلينيكية للاضطراب في الدليل التشخيصي والإحصائي الثالث المعدل للاضطرابات العقلية في عامی 1980و 1987على التوالى معتبرة أن اضطراب التوحد هو اضطراب نمائي لم يعد ينظر إلى الاضطراب على أنه ذهان طفولي كما كان سائدا بتلك الفترة
كما أن الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات العقلية عام 2000 وسع مفهوم الاضطرابات النمائية الشاملة لتشمل خمس فئات هي اضطراب التوحد ومتلازمة إسبرجر ومتلازمة ريت واضطراب الطفولة التفككي والاضطرابات النمائيةالشاملة غير المحددة
استمر هذا التصنيف إلى عام 2012إلى أن صدر الدليل الإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية (5-DSM) 2013 الذي اعتبر اضطراب التوحد هو أحد أشكال اضطرابات طيف التوحد وهو يتضمن أربعة تشخيصات سابقة وهي التوحد واضطراب إسبرجر واضطراب الطفولة الانحلالي واضطراب النمو العام غير المحدد بشكل آخر ويتصف اضطراب التوحد بنقص في التواصل الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي ومحدودية وتكرار السلوك والاهتمامات ولكن الطامه الكبرى فى مجتمعنا العربي هو الإعاقة في البيئة العربية وحتى الآن تجعل حالة الشخص المنطوى على نفسه بشكل غير عادى ويعاني الأطفال المصابون بشكل أو بأخر من صعوبات في تطوير العلاقات الاجتماعية مع الآخرين أو المحافظة عليها.
يطلق البعض مسميات أخرى من قبيل الذات أو الأنانية وهناك من يسميها الاجترار أو الاجترارية أو اجترار الذات والبعض الآخر أطلق عليها مصطلح الانغلاق الطفولي أو الانغلاق النفسي
وهناك من يطلق عليها الفصام الذاتووى أيضا هناك من يسميها الأوتيزم أو الأوتيسية والبعض يسميها التوحد وأحيانا تسمى التوحدية ولكن غالبية الباحثين والمتخصصين في هذا الاضطراب يطلقون عليه اضطراب التوحد.
ونظرا لعدم وجود إحصائيات صادرة عن مؤسسات رسمية حكومية سواء في مصر أو الوطن العربي مما يدعو إلى ضرورة وجود كيانات رسمية وجهات وترصد معدلاته في مصر والوطن العربي هذا المرض بدأ ينتشر بصورة كبيرة مؤخرا حيث أصبح 60 حالة في كل عشرة آلاف طفل من عمر 5-11سنة وتعتبر هذه نسبة عالية عما كان معروفا سابقا وهو 5 حالات في كل عشر آلاف طفل
التسارع في عدد الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد ففي أمريكا كان معدل انتشار التوحد
حالة واحدة بين كل 2500شخص وفي عام 1999 ارتفع الرقم إلى حالة واحدة لكل 285وفى عام 2007 كان حالة واحدة في كل 150طفلاوفي عام 2009 حالة واحدة في كل 91 طفلا في عام.
تصنف حالة أسبيرجر توحد بأنها ذا كفاءة أعلى كما أنه أكثر شيوعا في الأولاد عن البنات أي بنسبة 1:4 وللتوحديين دورة حياة طبيعية كما أن بعض أنواع السلوك المرتبطة بالمصابين قد تتغير أو تختفي بمرور الزمن ويوجد التوحد في جميع أنحاء العالم وفي جميع الطبقات العرقية والاجتماعية في العائلات.وتشكل هذه التقديرات رقما متوسطا إلا أن بعض الدراسات العلمية أعطت معدلات أعلى
يتضح من ذلك أن أغلب نسب انتشار اضطراب طيف التوحد نجدها في البلدان المتطورةالتي لديها قواعد بيانات واسعة وهي بلدان مرتفعة الدخل ففى البلدان المتطورة تصدر الإحصائيات عن هيئات ومجالس ومراكز بحوث علمية ذات صلة وثيقة باضطراب التوحد ورغم اختلاف هذه النسب بين دولة وأخرى إلا أنها تعكس مدى تقدم تلك الدول بمجال التشخيص والكشف عن اضطراب طيف التوحد بالإضافة إلى أن بعض الدول تقدم مساعدات مالية لأسر الأطفال التوحديين مما ساهم بزيادة القدرة على تشخيص هذا الاضطراب وبالتالى توثيق الحالات بدقة إلا أن هذه الأمور هي غائبة في وطننا العربي حيث لا يوجد إحصائيات رسمية عن أطفال التوحد إنما بأفضل الحالات هي تقديرات نظرية تعتمد على النسب العالمية بحيث يتم إسقاط تلك النسب العالمية على البلدان العربية أو البلدان الناميةوهذا الأمر ينطبق على مصرحيث لم تجر أايه إحصائية علمية موثقة حول نسب انتشار اضطراب طيف التوحد إنما ما هو موجود فهو عدد الأطفال المسجلين بالمراكز والجمعيات الأهلية وهذا الرقم لا يعكس واقع انتشار اضطراب التوحد في المجتمع المصرى.
هناك العديد من الفوارق التي تميز الطفل التوحدى عن غيره من الأطفال الأسوياء كالجسدية والاجتماعية واللغويةوالسلوكية والعقلية المعرفية وهى خصائص عامة تظهر على الأطفال التوحديين إلا إنها متفاوتة من طفل لأخر كما وكيفا وأنه لا يوجد تشابه أو تطابق بين الحالات إن غالبية الأطفال التوحديين يتسمون بمظهر عادى أو فوق العادى بل إن الكثيرين منهم يكونون جذابين فى مظهرهم كما أن المشاكل الجسمية في الغالب نادرة عند التوحديين خاصة إذا لم يصطحب أعراض التوحد أعراض اضطرابات أخرى وهذا لا ينفى وجود مجموعة من التوحديين تعانى من حساسية مفرطة
عند سماع الأصوات أو التعرض لأضواء النيون أو عند اللمس مما يشير لوجود استجابات حسية غير طبيعية ناتجة عن خلل في المعالجة الحسية تعكس وجود مشكلة بالإضافة إلى صعوبة استخدام مختلف الحواس في آن واحد
ولا يقتصر تأثير اضطراب التوحد على جانب واحد فقط من شخصية الطفل التوحدى وإنما يتسع ليشمل جوانب مختلفة منها الجانب المعرفي والجانب الاجتماعي والجانب اللغوى والانفعالي
فمقدار انخفاض القدرات العقلية يمكن ان تستخدم كمؤشر يعتد عليه حيث ان الاطفال التوحديون غير القادرين على الاستجابة المقاييس الذكاء أو الذين كانت درجاتهم منخفضة على مقاييس الذكاء ممن تقل نسبة ذكائهم عن 55 IQ كان معظمهم يستمرون في الاعتماد على الآخرين بشدة
والقابلية للتعلم تعد هي الأخرى من المؤشرات المهمة في تشخيص حالات اضطراب التوحد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى