التعلق

بقلم: نادية محمد| مصر
التعلق.. كلمة تحمل كل معاني الفرار من فناء الروح في خالقها؛ التعلق هو ما يخيفك من الموت بالرغم أن الميلاد والموت حقيقتان، الأولى لن تحسها أو تدركها أبدا، بل تصرخ بعدها فزعا من خروجك من بطن أمك وأمانك إلى العالم الخارجي، لا تدرك أي حقيقة أو أي كذبة.
والثانية حين تدركها لا تستطيع أن تصفها لأحد فهي لحظات خروجك من صورتك بالدنيا خروجك من لحمك ودمك وأنفاسك هي رحيلك عن هيئتك التي عشت العمر تهندم فيها وتجملها أمام نفسك والآخرين، لحظة واحدة فارقة بين الصورة والأصل، الحقيقة والكذب، لحظة ردع النفس عن التعلق بحاضرها وماضيها، لحظة الخروج من عالمك المزين بكل أنواع التعلق بما لديك من جسد ومال ومن تحبهم، رحيل بطعم نزع ملكك منك إلى عالم أنت تجهله وتجهل مدى شفافيتك وعريك فيه من كل أرديتك، عارٍ من الهيكل وعرش ذاتك وعالمك الذي لونته للناس حتى يرونك كما تحب أن يلمسوك فيه، إلى عالم غامض أنت تجهل فيه صورتك وقد تبرأ منك كل شيء كل ما تعلقت به تركك وحيدا بلا كلمة أو فتيل شمعة تجعلك ترى ما وراء جدار الحياة، نعم نخشى الموت ونفزع منه أيما فزع لأنه يسلبنا (الأنا) بسلبنا الصورة، يسلبنا كل ما تعلقنا به وتعلق بنا إلى عالم مجهول لا نعلم فيه شكل صورتنا الجديدة بلا أدنى ملامح لنفسا كنا نعرفها وتعرفنا بلا أحباب أو أعداء، بلا رغبة أو طلب، نعم نخشى الموت لأنه يسحب كل رخص التعلق بكل شيء.
على حين أن الصالحين وأولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لأنهم يعيشون بيننا ليس لهم طلب أو رغبة، فقد تركوا الاختيار لله، لذا تجدهم لايفزعون عند طلوع الروح، والموت بالنسبة لهم غروب شمس وقدوم فجر جديد، يحمل لهم الراحة من عناء السفر ومشقة الطريق، فالدنيا كانت سجنا لهم ولكنها كانت جنة للتائهين في صحراء أعمارهم، دائما يريدون ويختارون ويلونون أنفسهم للحصول على مكاسب زائفة ستذهب مع ريح النهاية.




