مقال

عالم افتراضي وأكثر

الفنان التشكيلي الفلسطيني | عبد الهادي شلا 
بما أننا تآلفنا مع مواقع التواصل الاجتماعي أو كما يسهل نطقه باللغة الانجليزية Social media فقد بات لزاما أن نمر على كل ما يتاح لنا الاطلاع عليه وقرأة محتواه والتأمل فيما يحمله كل منشور أو صورة أوخبربقدر المستطاع وما يسمح به الوقت..!

و المؤكد أنه ليس كل ما يُنشر أو نقرأه هو محل اتفاق بصورة كاملة وإن حمل بعضها ما يمكن قبوله فقد نتوقف لنتأمل الجانب الجاد فيه بحثا عن جوهره الذي قد لا نستطيع الوصول إليه نتيجة بعض التشعبات ودروبه الغامضة.

الذين يكتبون في الغالب ليسوا من الكـُتاب المحترفين في هذا الفضاء المتاح لذلك لا يمكن الوثوق في كل ما يكتبون في الوقت الذي يثير فضولنا لتتبع مصدر المنشورالذي قد نتفق معه إن كان مصدره علميا أو مركز معلومات معتمد أو شخص موثوق وصاحب تجربة مشهود له.

تستوقفني تلك المنشورات الطبية والعلمية والتقنية بوجه خاص التي يؤكد صاحبها بثقة تامة أنها مُجرَّبة وأعطت نتائج عالية في علاج بعض الأمراض المستعصية مصحوبة بأيمان غليظة دون سند علمي أو ارجاع المنشور إلى مصدر موثوق أو مركز أبحاث!

هذا المنشور لايمكن الأخذ به مادام أهل الاختصاص لم يعلنوا عنه أو يؤكدوه،ولأن الفضاء يحتمل كل تأويل ومتاح لكل أنواع البشر فلا شك سنجد في التعليقات بعض السخرية وبعض الاستخفاف وقد نقرأ تحقيرا لمثل هذه الشعوذات.

جميعنا نقرأ المنشورات “التحليلية” والنقاشات المتضاربة والمتضادة حول قضيتنا الأساسية من تلك الصراعات التي تكاد لا تخلو منها بلد وهذا أمر طبيعي فكل إنسان يدلي بدلوه على قدر فهمه وتصوره ومن خلال تجربته الحياتية ولكن الأمر الغير حميد في هذه النقاشات هو أنها في حالات كثيرة تخرج عن أصول الحوار والنقاش بعصبية وحماقة أو لنقل لغرض في نفس مُتعبة اختلط عليها الأمر وتشوشت الصورة التي تناقش فيها وهذه نتائج تُفسد أي حوار لأنه خرج عن أصله الذي كان الهدف منه الوصول إلى تصور ينفع في خلق توازن لحالة مضطربة ليس لها ملامح في أفق قريب وأن هذا الحوار هو مجرد اجتهاد.!

ليس هذا كل شيء، فالفضاء فيه الكثير جدا من المنشورات المفيدة والعلوم الراقية والفنون الرفيعة ،وفيه التحليلات والقراءات الأدبية بكل أنواعها،وفيه مواقع متخصصة لكل فروع العلوم والأداب والسياسة والاقتصاد يلجأ اليها الجميع عند الحاجة وبالذات المختصون الذين يستندون على ما فيها من حقائق موثوقة،وهذا أمر نتفق عليه بعد أن صار الفضاء مصدرا يستفيد منه الطالب في كل مراحل الدراسة حتى المستويات الجامعية العالية وانكارهذه الحقيقة هو رجوع وانسلاخ عن حاضر متسارع الخُطى نحو مستقبل تحكمه قوانين تقنية جديدة تسيطرعلى كل ما تبقى من رواسب الماضي كأسلوب حياة وتُحيِّده حتى تُلغية تماما مع التطور الهائل الذي لم تعد ملامحه خافية واستقرت كسِمة للعصر.

خاتمة القول في هذا الأمر هو أنني حين أقرأ مقالا لكاتب يثق فيما يكتب ويظن أن ما يكتبه لا خلاف عليه ويتشنج إن وجد معارضة أو وجهة نظر مخالفة أشعر بأن هذا أمر مقلق .

فإن كنا نريد ثقافة حديثة نافعة ومفيدة فلا نتغاضى عن أن الكاتب المخضرم قد يسقط في بعض الحفر الصغيرة وهو يقدم تحليلا أو تصورا في الوقت الذي هو قادر على النقاش والتحاور وليس له أن يلغي الرأي الأخر إن استشعر فيه سمو ورفعة تفوق رأيه بل يضيفه إلى مقالاته الأخرى وينتفع من كل ملاحظة إن كانت تصب في مصلحة التوجه العام الذي ينتظره القارئ بكل مستوياته.

فضاء التواصل الاجتماعي كما يطلقون عليه “عالم افتراضي” لم يعد افتراضيا ويكاد يكون حقيقيا بعد هذه السنوات التي انفتح فيها العالم على بعضه بلا حواجز فأصدقاء هذا الفضاء أصبح بينهم ألفة وصداقات حقيقية وتواصل يومي وتبادل وجهات النظر حتى في الأمور الخاصة بعيدا عن النشر وأظنني لا أبالغ إن قلت بأن من عرف هذا العالم الافتراضي وهذا الفضاء الأزرق لن يستطيع الفكاك منه لأكثر من سبب أولهما أنه صار جزء من برنامجه اليومي ولا غنى عنه والدليل الأبسط كمثال هو “التليفون” الذي لا تكاد يد تخلو من الامساك به بل وأكثر فإنه وسيلة التواصل بلا انقطاع ومستودع للمعلومات التي يحتاجها كل عامل في تخصص ونستطيع القول أنه “مكتب”متنقل !!

علينا أن نستسلم و نتآلف مع كل ما يمكننا الوصول إليه في عالم التقنيات والقفز عن موروثات بعضها غير ذي فائدة ولا نفع منه وأن نحل محله علوم حديثة متطورة تصنع صورتنا العصرية لنكون جزء من عالم تغيرت مواصفاته وملامحه ولا ننسى أن نستخدم هذا التطور في الخير لصالح الإنسانية .

هناك شبه اجماع على أن هذا الفضاء قد سيطر على العلاقات الاجتماعية وأخرجها عن أصلها ويشتكي الكثيرون وبعض المتخصصين بأن طغيانه قد أفسد الأسرة الواحدة وفكك روابطها فاكتفى كل فرد عند كل مناسبة بإرسال رسالة مكتوبة أو صوتية مسجلة دون العناء بمحادثة مباشرة تحمل الحميمية والشعور بدوام الألفة..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى