لماذا إيران الآن..؟

إدريس حنبالي | المملكة المغربية

أجواء حرب أخرى في الأفق، ويبدو أن “مجمع الآلهة” قد حزم أمره. يعود الشَّرخ ليتّسع بين عالم الشرق وعالم الغرب. كل الاستعدادات قد اتخذت؛ الأسلحة  باتت مشحوذة والجيوش مستنفرة و الأصابع على الزناد تنتظر الأوامر . هذه المرة ليست كسابقاتها بالمرة؛ فآخر حرب عالمية عاشها العالم في القرن العشرين شهدت تفجير أول قنبلتين نوويتين – أو حارقتين- كانتا كافيتين لوضع حد للصراع بين بني البشر أو على الأقل لتأجيله إلى زمن آخر.

تعود أجواء الزمن البدئي؛ زمن الأحداث الملحمية إلا أنها تختلف الآن عن كل الأزمنة؛ أحداث وإن كانت مأساوية دراماتيكية إلا أنها كانت ضرورية لإعادة تشذيب شجرة العالم؛ بما يتيح فرص جديدة للإبداع  والاندفاع إلى مستقبل إنساني أفضل مصداقا لقول أحدهم: “الحرب أم الهبات الطيبة” وإن كانت في جميع الأحوال قاسية وحشية. هذه المرة لم تعد هناك فقط قنبلتان في الجعبة. من تحت رماد هيروشيما وناكازاكي نبتت آلاف من القنابل. ترامب هذه الأيام ومعه نتانياهو والمجموعة؛ يلعبون بالنار التي سرقوها على حين غفلة كما فعلها سابقا بروموثيوس.

لسوء حظ الأخير أن الآلهة حينها – حسب الأسطورة – كانت قد تنبهت لفعلته وحاق به منها العقاب واللعنات. أما الآن فلم يعد هناك حكماء يعيدون العالم إلى رشده وإن وجدوا حقا فصوت الحكمة مكتوم وحتى إن علا وارتفع فالآذان باتت أكثر فأكثر صماء مسحورة.

أن يهلك قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في حدث ذاته ليس المسألة؛ لأنه في النهاية  رجل عسكري أفنى عمره في ساحات الوغى وأفلت سابقا من 18 محاولة لتصفيته حتى بات ربما يعتبر بقاءه على قيد الحياة سوء حظ أو شيئا من نشاز؛ لا سيما وأن جل القيادات من جيله قد رحلت  وبات يشعر بالوحشة و يعلنها صراحة: أنا أتوق للشهادة. المسألة هنا تتعلق بالطريقة وحرمة الزمان والمكان. هذا ما يؤاخذ عليه السيد ترامب ومن خلفه – القرين- نتانياهو.

  كان الرئيس ترامب يعلم جيدا أبعاد فعلته؛ لذلك قام بإخطار الكونغرس بالعملية فقط بعد أن ضغط على الزناد، وباتت سيارة سليماني تلتهمها النيران. وبينما كان موكب سليماني قد قطع مسافات طويلة تشيعه الملايين من مدينة إلى أخرى وأصبح على مشارف مسقط رأسه ” كرمان”؛ والسيد ترامب ومن معه في الضفة الأخرى ينتشون بهذه الآلام ويتوعدون بتدمير إيران؛ كانت البارجة الحربية الروسية المحملة  بالصواريخ الاستراتيجية تدخل حلبة الصراع، وطائرة أخرى تقل السيد بوتين تحط بسوريا لتقديم واجب  العزاء.

لا غرابة في الأمر لأن الرجل يعرف ما يفعل؛ يحل بسوريا قبل دفن الجنرال الراحل وقبل أن ترد طهران الصفعة لواشنطن؛ ذلك أن المواجهة وإن كانت أمريكية إيرانية إلا أنها في أي لحظة قد تخرج عن السيطرة لتصبح حربا عالمية شاملة. إنها الرسالة التي أراد توجيهها لقادة البنتاغون  وشيوخ السياسة وأمراء الشركات العالمية.

لسان حال الرئيس بوتين يقول  للسيد ترامب وكأنهما في لعبة غولف ودية: إنها ضربة موفقة وغير متوقعة سيدي الرئيس لكن عليك أن تتمتع بروح رياضية حين تتلقى ضربة مضادة؛ دع الأمر حينذاك يتوقف عند ذلك الحدّ؛ لأننا جميعا ربما نصبح في خبر كان.

وكأنها لعبة موت لذيذة تأخذ الألباب؛ فحين كان المُشيِّعون يقومون بآخر الترتيبات قبل أن يُمِيطوا التراب على جثمان القائد سليماني كانت الصواريخ تنهمر على قاعدة في مدينة أربيل وعين الأسد؛ وهي القاعدة التي انطلقت منها  الطائرة التي أجهزت على القائد سليماني. لابد من الإشارة إلى أهمية لقاء الرئيس بوتين بالرئيس أردوغان بأنقرة في طريق عودته إلى موسكو؛ ربما هي رسالة أخرى لمن يعنيهم الأمر؛ تركيا – بعد صفقاتها الرابحة مع موسكو- لن تكون قاعدة أمريكية أطلسية لتوجيه الضربات لدول الجوار؛ والشاهد هنا البيان الذي أصدره الرجلان يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا؛ والظاهر أن روسيا أصبحت تتنبه جيدا لتحركات الطرف الآخر في كل مكان وساح. لاشك أن من أهداف السيد ترامب من العملية هو تجميد مسطرة العزل التي يحركها ضدّه الكونغرس، وصرف أنظار الإسرائيليين عن محاكمة نتانياهو بتهم فساد  باتت تقض مضجعه.

لقد كانت محاولة أخرى لاختبار متانة حلف طهران – موسكو – بيكين؛ و تبين الآن للرئيس ترامب أنها لعبة تكاد أن تودي بالعالم إلى الجحيم؛ لأن روسيا والصين لن تقدما إيران قربانا على مذبح الآلهة بهذه البساطة كما فعلتا زمن الضعف مع غيرها. السيد ترامب رجل مال و أعمال لذلك ربما يجهل أن الإيرانيين قبل إسلامهم كانت النار -التي حاول سرقتها-  جزءً أصيلا في عقيدتهم، وسرا عظيما من الأسرار.

……….

الكاتب يتحمل مسؤولية أفكاره والموقع لا يعبر بالضرورة عن رأي الكتاب والمبدعين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى