فنجان قهوة من يدها

منال جبار| قاصة من مصر
كان يأتي كل يوم في نفس التوقيت، يجلس على الطاولة القريبة من النافذة، يطلب قهوته السوداء دون سكر، وينتظرها هي لتعدّها بيديها.
لم يكن يتحدث كثيرًا، لكن بين نظراته وكلماته القليلة كان هناك حديث طويل لا يُقال.
كانت تشعر بشيء مختلف حين تراه؛ كأنه اعتاد أن يحمل معه دفء العالم كله في ابتسامته الهادئة.
في صباحٍ ما، انتظرت كعادتها أن تراه يدخل الباب الزجاجي، لكن الكرسي بقي خاليًا… واليوم التالي كذلك… حتى مضت أسابيع.
لم تعرف لماذا غاب، لكنها كانت تضع فنجان قهوته كل يوم على الطاولة نفسها، كأنها تنتظر وعدًا صامتًا بالعودة.
وفي أحد الأيام، دخل رجل يحمل ظرفًا صغيرًا، سأل عنها بالاسم، وقال:
“ده من شخص كان بيجي هنا دايمًا… قال لو ما رجعش، أوصلهالك.”
فتحت الظرف، فوجدت رسالة قصيرة بخطٍّ مرتجف:
“كنت مريضًا، وكنتِ لحياتي علاجًا دون أن تدري.
القهوة من يدك كانت أجمل ما في أيامي.
إن كتبت لي الأيام عمرًا جديدًا، سأعود لأشربها من يدك مرة أخرى.”
غمرتها الدموع، لكنها ابتسمت للمرة الأولى منذ غيابه.
مرّت الشهور، حتى جاء يومٌ خريفيّ هادئ، وسمعت صوته يقول من خلفها:
“هل لا يزال فنجاني محفوظًا؟”
التفتت، فوجدته يقف أمامها بوجهٍ شاحب لكنه يفيض حياة.
ضحكت والدموع تلمع في عينيها وقالت:
“القهوة بردت، بس القلب لسه دافي.”
ومنذ ذلك اليوم، لم يغب فنجان القهوة عن الطاولة… ولا عن القلب.




