سياسة

هل نحن على عهد نوفمبر سائرون وباقون؟!

الدّكتور محمد بن قاسم ناصر بوحجام| الجزائر
قامت الثّورة التّحريريّة الجزائريّة لاسترجاع السّيادة الوطنيّة المغتصبة من العدوّ الفرنسي، بإرادة قويّة وعزيمة كبيرة على مواصلة الكفاح والصّمود والثّبات في المقاومة، وتحدّي كلّ الصّعوبات، وتخطّي كلّ العقبات، والوقوف أمام كلّ المناورات، وصدّ كل المؤامرات.. ورفض كلّ أشكال المساومات في حريّتها والخضوع للضّغوط، وإفشال كلّ المخطّطات التّدميريّة الممنهجة لتحويلها عن جهادها؛ سلميّة كانت أم قهريّة…
خاضت المعارك الطّاحنة: العسكريّة والسّياسيّة والدّبلوماسيّة والأدبيّة والاجتماعيّة… بنيّة التّحرّر من أيّ تبعيّة لغير مبادئها وأصولها وعقيدتها وتقاليدها وهويّتها..، التي هي استمرار لنهج المقاومة في الحركة الإصلاحيّة والوطنيّة.؛ منطلقةً من وثيقة سمِّيت ببيان أوّل نوفمبر، الذي تضمّن مبادئ الثّورة الجزائريّة..الذي هو تتويج للبيانات والمواثيق التي صدرت من رجال المقاومة، منذ انطلاق أوّل ثورة بعد تدنيس الاستدمار الفرنسي أرضَ الأحرار، أرض الجزائر العصيّة على كلّ المحتلّين.
وَفق هذا البيان تحرّك الثّوّار؛ مسلّحين بصدق الإيمان، وحبّ الوطن، والتّمسّك بالهويّة الأصيلة، والمحافظة على الوَحدة الوطنيّة…متدرّعين بقوّة العقيدة وإخلاص العمل، والاستهانة بالموت، والاستخفاف بالعدوّ، مهما يكن شكله ولونه وهويّته ومخطّطه، واحتقارِ بأسه وبطشه، والاعتماد على النّفس..
الإطار العام في الجهاد كان العمل وَفق المبادئ الإسلاميّة. فقد نصّ بيان أوّل نوفمبر على: ” إقامة الدّولة الجزائريّة الدّيمقراطيّة الاجتماعيّة ذات السّيادة، ضمن المبادئ الإسلاميّة”..وعلى: ” تحقيق وَحدة شمال إفريقيا في إطارها الطّبيعي العربي والإسلامي”.
ما نريد الإشارة إليه والتّأكيد عليه، هو التّنويه بالهدف الأساس والكبير والمفصلي والمحوري في المقاومة، وهو العهد الذي يجب التّذكير به في كل مرّة؛ في كلّ مناسبة وموقف ومشهد وتخطيط وتحرّك وعلاقة وتعاون، ووضع مشروعات، واتّخاذ قرارات، وعقد شراكات، ومعالجة قضايا، وحلّ معضلات… ما نريد الإيماء إليه: أنّ الهدف الأسمى الذي ركّز عليه بيان أوّل نوفمبر في عدّة فقرات وجمل، هو الاستقلال الوطني، واسترجاع السّيادة الوطنيّة الكاملة (في الدّين، واللّغة، والهويّة، والشّخصيّة، والتّربيّة والتّنمية…) أي في جميع المجالات، بداية من الاستقلال السّياسي، وانتهاء بالاستقلال الاجتماعي والتّربوي والثّقافي والاقتصادي، وما يتّصل بها.
السّؤال الكبير والخطير والمحرج (والمسؤول) هو: هل نحن اليوم واعون يهذا الهدف؟ هل نحن على العهد في المحافظة على ما جاهد آباؤنا من أجله، وضحّوا بكلّ ما يملكون في سبيل أصالة الجزائر؟ هل نحن على العهد الذي أقسم به مفدي زكريّاء في النّشيد الوطني(نيابة عن الشعب الجزائري الأبيّ) ” جبهةَ التّحرير أعطيناكِ عهدا” ؟
هل نحن مسؤولون على ما يقع في أرض المصلحين الأبرار، والوطنيّين الأحرار، والمجاهدين الأخيار، والشّهداء الأطهار؟؟ ما يقع فيها من منكرات وانحرافات في الدّين والأخلاق والقيم، وانزلاقات في التّربيّة والتّعليم، وتجازوات في الالتزام بحماية الوطن من الدّخلاء والمشوّشين على الوَحدة الوطنيّة، والعابثين بتقاليد الأمّة وعاداتها، والمروّجين للأفكار المتطرّفة التي تنخر عمق المجتمع؟
هل نحن على العهد في القيام برسالة التّربية والتّوجيه؛ وَفق أصول ديننا، التزامًا بها، وتطويرَ مناهجنا بما يتناسب مع الوفاء للعصر، شموليّةً لمجالاتها، وتنويعًا في برامجها، وعمقا في تخطيطها وتنفيذها ومرافقتها؟
هل نحن في مستوى رسالة الجزائر كما سمّاها مفدي زكريّاء؟ هل نحن على العهد باقون؟ هل نحن على الميثاق سائرون…؟؟
نرجو أن نبقى على الصّورة التي قدّمها الشّاعر صالح خبّاشّة عن نوفمبر الذي غيّر مجرى الحياة، والذي يشبه بدرا في مكانتها وما أُنجِزَ فيه فغدت مكاسبه معالم في طريق العمل الصّالح والمسيرة المباركة.. تمتدّ تلك الصّورة النّوفمبريّة مشعلا في حياتنا لا ينطفئ، مهما يحاول المتربّصون فعله، وصُوًى مهما يطاول النّاعقون في طمسها.
قال الشّاعر في نوفمبر 1959م مستلهما القرآن الكريم:

هِىَ مِشْعَلٌ، كَمْ حَاوَلُوا إطفاءَه

والله يأبَى ذاكَ، فهو تمام
هِيَ مُعْجِزَاتٌ، حَيَّرَتْ أَلْبَابَهُمْ

وتقاصَرَتْ عن سرِّها الأفهامُ
قالوا: هُمُ الصّحبُ الذين قليلُهُم

يُفْنِي الكَثيرَ، فمَا لَهُم أجسامُ

وفّقنا الله للوفاء بالعهود، وتجنيد أنفسنا لخدمة الوطن، وحمايته من الأعداء، وصيانته من الانزلاقات المشوّهة لأصالته، وإبعاده عن المواطن التي تنال من كرامته..فما ذلك على بعزيز، وما ذلك على الأحرار الأوفياء بالعهود المخلصين الصّادقين ببعيد…
الجزائر يوم السّبت: 10 جمادى الأولى 1447هـ01 نوفمبر 2025م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى