أدب

اِحْذَرْ

مروان عياش | سوريا

قالوا: اِحْذَرِ الماءَ
رَكِبْتُ الجَبَلَ
قالوا: اِحْذَرِ الكِتابَ
أَغْمَضْتُ السَّماءَ
قالوا: اِحْذَرْ أَباكَ
فقَدَّسْتُ أُمِّي
واحذرْ الشَّمْسَ.. فَنِمْتُ فِي الْكَهْف
والريحَ… فاختبأتُ وراءَ الباب
قالوا: اِحْذَرِ الْمَوْتَ
فَحَيِيتُ بَيْنَ الْقُبُور

قالوا: الطَّرِيقُ واحِدٌ
فَفَتَحْتُ لِقَلْبِي الْمَخَارِجَ
وَلَمْ تَلْتَقِ أَبَدًا

قالوا: الْمِيزانُ لَا يَمِيلُ
وَضَعْتُ صَمْتِي فِي كِفَّةٍ
وَرَكَنْتُ فِي الْأُخْرَى صرَاخِي
فَانْكَسَرَتْ عَدالَتي بِالتَّساوِي

قالوا: اِتَّبِعْ مَبْدَأَكَ
فَوَجَدْتُ الْمَبْدَأَ يَتَغَيَّرُ كُلَّما سَمَّيْتُهُ مَبْدَأً
وَالْمَعْنَى يَنْسابُ بَيْنَ أَصابِعِي وَهْمًا إِنْ قبضت

قالوا: اِمْنَح الْعالَمَ أَسْماءَهُ
فَأَعادَ لِيَّ الْعالَمُ الْأَسْماءَ بِلَا أَصْحاب

قالوا: قَبِّلِ الْمِرْآةَ لِتَعْرِفَ نَفْسَكَ
فَرَدَّتْ إِلَيَّ الْأَسْئِلَةَ مُصْقُولَةً
وَتَرَكَتْ وَجْهِي مُؤَجَّلًا إِلى إشعارٍ آخَرٍ

قالوا: تَعَلَّمْ النِّظامَ
فَأَقَمْتُ فَوْضىَ صَغِيرَةً تُشْبِهُنِي
تُرَتِّبُنِي على هَواها
تُطْعِمُ الذِّئْبَ وَالْحَمامَةَ فِي دَاخِلِي الْخُبْزَ نَفْسَهُ
وَتَتْرُكُ لَهُمَا الْماءَ
لِيَخْتَلِفَا على الْعَطَشِ
وَأَبْتَسِمُ لِأَنَّهُما مَعًا يَحْفَظانِ لِيَ الْقَلْبَ

وَلِأَنَّهُمْ قالوا: اِحْذَرِ النِّهايَةَ
سِرْتُ إِلَى الْبِدايَةِ حافِيًا
أَجْمَعُ مِنَ الطَّرِيقِ ما يَسْقُطُ مِنَ الْمَعْنَى
وَأُخَبِّئُهُ تَحْتَ لِسانِي
لَعَلِّي يَوْمًا حِينَ أَسْكُتُ تَمامًا
أَتَكَلَّمُ

قالوا: مَنْ أَنْتَ بِلَا أَسْمائِكَ
قُلْتُ: أُخفِي اسمِي فِي جَيبِ الْغَيْمِ
وَأَمْشِي… فَإِنْ سَقَطَ مِنْ فَمِي حَرْفٌ
أَكَلَتْهُ الرِّيحُ…. وَسَمَّتْنِي الطَّرِيقُ

قالوا: وَأَيْنَ يَسْتَقِرُّ مَبْدَؤُكَ
قُلْتُ: أُعَلِّقُهُ عَلَى مِسْمَارِ شَكِّي
كُلَّما صَدِئَ لَمَّعَتْهُ دَمْعَةٌ
وَأَعَدْتُ تَجْرِبَتَهُ عَلَى قَلْبِي

قالوا: ما الْعَدْلُ إِذًا
قُلْتُ: حَجَرُ مِيزانٍ فِي كِفَّةِ عابِرٍ
وَالْكِفَّتانِ تُشْبِهانِ جِفنين
يَسْتَوِي الظِّلُّ إِذا أُغْلِقا
وَيَخْتَلِفُ النَّهارُ حِينَ يُفْتَحانِ

قالوا: وَهَلْ تُجْدِي الْمِرْآةُ
قُلْتُ: أَسْأَلُها…فَتَرُدُّ عَلَيَّ بِأَسْئِلَةٍ معكوسة
أَلْمَسُ وَجْهِي عَلَى سَطْحِها
فَأَكْتَشِفُ يَدًا لَا أَراهَا
تُعِيدُ تَرْتِيبَ مَلامِحِي مِنَ الدَّاخِلِ

قالوا: الْمَعْنَى يَنْسابُ بَيْنَ
أَصابِعِكَ وَهْمًا
فَكَيْفَ تُمْسِكُ الخيالَ
قُلْتُ: أُهَيِّئُ لَهُ مَكانًا فِي صَدْرِي
أَفْتَحُ لَهُ نافِذَةً….. وَيَخْرُجُ طائِرًا
فَإِذا حاوَلْتُ قَبْضَهُ
تَرَكَ لِي رِيشَةً تَكْفِينِي دَلالَةً

وكَيْفَ تُهَذِّبُ فَوْضاكَ
قُلْتُ: أَضَعُ لَها تَقْوِيمًا عَلَى الحائِطِ
تَأْكُلُ مِنْهُ الأَيامَ التي لَا تَحْتاجُها
وَتُبْقِي لِي مَوْعِدًا واحِدًا
بَيْنَ الذِّئْبِ وَالْحَمامَةِ
لِنَتَقاسَمَ الْخُبْزَ وَالْماءَ بِلَا خُصومَةٍ

قالوا: الطَّرِيقُ واحِدٌ أَيْنَ تَمْضِي
قُلْتُ: أَتْرُكُ أَثَرًا… خَفِيفًا عَلَى الرَّمْلِ
فَإِنْ مَحَتْهُ الْمَوْجَةُ
دَلَّنِي الْمِلْحُ عَلَى الْجِهاتِ
وَإِنْ بَقِيَ عَلَّمَنِي التَّواضُعَ
وَأَعادَنِي إِلَى أَوَّلِ خُطْوَةٍ

قالوا: لِمَ تُخَبِّئُ الْمَعْنَى تَحْتَ لِسانِكَ
قُلْتُ: لِأَتَعَلَّمَ كَيْفَ يَتَكَلَّمُ الصَّمْتُ
وَلِكَيْ لَا أَجْرَحَ الْكَلِماتِ
حِينَ أُسْرِعُ إِلَى تَسْمِيَتِها

قالوا: ما الَّذِي يَبْقى إِذا تَبَدَّلَ كُلُّ شَيْءٍ
قُلْتُ: جِذْعُ دَهْشَةٍ…فِي مُنْتَصَفِ صَدْرِي
كُلَّما هَزَّتْهُ رِيحُ الْخَساراتِ
أَثْمَرَ أَسْماءً جَدِيدَةً
لِأَشْياءَ ظَنَنْتُنِي أَعْرِفُها

قالوا: وَهَلْ تُسامِحُ ذاكَّ التناقضَ فيكْ
قُلْتُ: نَعَمْ
إِذا عَلَّمَنِي
كَيْفَ يَنْبُتُ قَوْسُ قُزَحٍ
مِنِ اصْطِدامِ مَطَرَيْنِ فِي نافِذَتِي

قالوا: ما الَّذِي تُرِيدُهُ فِي النِّهايَةِ
قُلْتُ: لَا نِهايَةَ
أُرِيدُ بِدايَةً تَتَّسِعُ لِعِدَّةِ بِداياتٍ
أَنْ أَضَعَ رَأْسِي عَلَى رُكْبَةِ الطَّرِيقِ
وَأُصْغِي لِخُطَى الْمَعْنَى
وَهُوَ يَعُودُ مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ نَحْوِي
كَطفلٍ يَتَهَجىَ البدايات

وَلِأَنَّهُمْ سَيَقُولونَ:
اِحْذَرْ مِنَ السُّؤالِ نَفْسه
سَأَحْمِلُهُ مَعِي
كَقِنْدِيلٍ صَغِيرٍ
إِذا انْطَفَأَ… نَفَخْتُ فِي رَمادِهِ
وَإِن أَضاءَ… مَشَيْتُ في نوره
فَإِنْ بَلَغَ فَمِيَ الصَّمْتُ تَمامًا
تَكَلَّمْتُ
وَإِنْ بَلَغَ قَلْبِيَ الْكَلَامُ تَمامًا
أَصْغَيْتُ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى