كتاب الخريف

شعر: مروان عياش | سورية
الأوراقُ لم تكتسِبْ ألوانًا بعد..
مسحةٌ من التعدّي تُسقِطُ اللونَ في قلبِ الحياد
الغُصنُ يميلُ كي يتلقّفَ المسكينَ أوّل خطاياه
تلتفُّ الأفعى حولَ الغموض
المعرفةُ طعمُ الألم
التفّاحةُ إفراجُ الشهوةِ عن المكنون
تبدأ حركةُ الجنين
يومُ الذَنْبِ بدايةُ الفصول
تسقطُ الحمراء وتشهقُ الحديقةُ
الهواءُ يقلبُ الصفحاتِ بأصابعِ بردٍ خفيفة
والأحرفُ أوراقٌ تتدرّبُ على السقوط
الوقتُ ثمرةٌ ناضجةٌ أكثرَ ممّا يلزم
تدحرجتْ على سُلّمِ النسيان
والجاذبيّةُ وصيّةٌ قديمة
تشدُّنا إلى أصلِ الطينِ كلّما فكّرنا
الأفعى عُقدةُ المعنى
تلمعُ في الظلِّ مثلَ سرٍّ متاحٍ لمن يتألّم
المعرفةُ تُلوّحُ بعطرِ الجُرح
والتفّاحةُ تفتحُ نافذةً في الجسد
كي يدخلَ الضوءُ ومعهُ خطأٌ جميل
يبدأ الجنينُ بحركةِ السؤال
يُقلّبُ رحمَ الظلام
يعدُّ أصابعَهُ مثلَ عدّادِ ندم
يومُ الذنبِ تقويمٌ جديد
الأعيادُ فيه أوراقٌ صفراء
والغفرانُ مطرٌ متأخّر
الحيادُ لونٌ يتهشّمُ تحتَ قدمِ الدهشة
والغُصنُ شيخٌ يميلُ ليحمي أوّلَ قلبٍ يرتجف
يا أيّها الخائفُ
اقضِمْ حرفًا واتركْ للخفّةِ جناحين
فالوقوعُ نصفُ نجاة
والأرضُ تُصلّي لمن عادَ إليها
هكذا يكتبُ الخريفُ سِيرتَهُ
حرفًا أحمرَ في الهامش
وهوامشَ واسعةً للظلال
ثم يُغلقُ الكتابَ على خشخشةٍ مبتهجة
كأنّ النهايةَ بدايةٌ أبطأ
وكأنّ السقوطَ طريقةٌ وحيدة للصعود
وحدهُ الورقُ يعرفُ كيفَ يشيخُ ببطء
يكتمُ صريرَهُ كي لا يوقظَ الريح
ويتركُ للظلِّ حراسةَ الأسرار
الحديقةُ تتذكّرُ أسماءَ من مرّوا
لكنّ الندى يمحوها كلَّ صباح
كي يظلَّ الفقدُ جديدًا ومُقنعًا
نقطةٌ من التفّاحةِ تسيلُ على اللسان
فتنبتُ شجرةُ أسئلةٍ في الحلق
كلُّ غُصنٍ علامةُ استفهام
وكلُّ ثمرةٍ علامةُ تعجب
الأفعى تُبدّلُ جلدَها
والذنبُ يُبدّلُ تعريفَه
نحنُ لا نكفُّ عن التسمية
والأشياءُ لا تكفُّ عن الإفلات
يا قارئَ الكتاب
اصبِرْ على ورقٍ يتقشّرُ
كلُّ صفحةٍ ممرٌّ
وكلُّ هامشٍ نافذةٌ على ما لم يُكتَب
انصت إلى الصمت
إذا اتّسعَ الصمتُ
أصبحَ موسيقى من جهةٍ أُخرى
وإذا ضاقَ الكلامُ
صارَ شقًّا يمرُّ منه الضوء
الخريفُ مدرسةٌ ثقيلة
يعلّمُنا أن نُصافحَ السقوطَ بلا خوف
أن نعيدَ ترتيبَ قلوبِنا
مثلَ كومةِ خشبٍ قبلَ اشتعال
المعرفة وجعٌ صالحٌ للسكن
نبني منه بيتًا على حافّةِ الجرح
نؤثّثُهُ بالاعتراف
ونزرع حوله الخطايا
يكتبُ الجنينُ أوّلَ جملتِه في الماء
ثمّ يتعلّمُ الهواءَ على مهل
نحنُ أبناءُ تلك الجملة
نكبُرُ بقدرِ ما نحذفُ الزوائد
عندما تهطُلُ الحمراءُ كلُّها
يلبسُ الطريقُ لونًا قابلًا للغفران
وتسيرُ خطايانا على مهل
كأنّها قطيعُ غيمٍ يبحثُ عن جبل
وفي آخرِ المُجلّد
ورقةٌ لا لونَ لها
بياضٌ يَسعُ فصلًا خامسًا
نكتبُ فيه:بدأنا هنا
وكُنّا كلّما سقطنا
ارتفعَ النداءُ خطوةً نحونا



