أدب

قراءة مستبصرة لقصيدة الشاعر الدكتور سعيد جاسم الزبيدي

بقلم: أ. د جمعة حسين أبو الورد – العراق

كتب الشاعر الكبير أستاذنا الأستاذ الدكتور سعيد الزبيدي قصيدة من أجمل ما يكون عليه الشعر، جاءت في شكلها القديم المسمى بالعمودي استجابت لبواعثَ روحيةٍ  ووجدانيةٍ أجمل استجابة،وعبرت عن مشاعره التي لم يكن بوسعه إخفاءها … فكانت القصيدة:

أتْبعْتُها عيني بلا حَرَج

لمَّا رأيتُ بها من الغَنَج

///

وتبعتُها حتى أحدِّثَها

ماكنتُ قدْ أعددتُ من حُجَجِ

///

فَتَباطَأَتْ من حيثُ أُدركُها

لتجرَّني في أيِ مُنعَرجِ

///

وتكونَ آمنةً بلا رصَدٍ

لتبوحَ مما قرَّ في المُهَجِ

///

أسمعتها شعري لأعجبها

من (وافرٍ) حلوٍ، ومن (هزَجِ)

///

لانتْ وقالتْ: أنتَ لي (عُمَرٌ)*

ينسابُ منكَ الشعرُ كالأرجِ

///

وإخالني (الصُّغرى) التي ولهتْ

وتكادُ تتبعُهُ بلا حرجِ

///

يا للهوى أصحيحُ ما بلغتْ

من وجدِها نارًا وفي وهَجِ؟

///

ما شاقني إلا صراحتُها

ووضوحُ نبرتها بلا عوَجِ

///

وبدوتُ في ثوبٍ يُخالطُهُ

بعضُ الغرورِ، وكثرةُ الفُرَجِ

///

لملمتهُ وكأنْ تداهمني

حُمَّى، وكدتُ أصابُ بالفلَجِ

///

قالتْ وقدْ لمحتْ محاولتي:

خُذني بصدرٍ غيرِ منزعجِ

///

خذني فصدري صار مضطربًا

كالبحرِ في موجٍ وفي لججِ

///

يا حيرتي بل يالحيرتِها

كلتاهما ترنو إلى فرَجِ

///

قبَّلتُ عينيها على أملٍ

أنْ نلتقي في أيْ منعرجِ!

وقد نظر في قصيدته هذه الى قصيدة عمر التي يقول في البيتين المنظور إليهما :”

قالت الكبرى أتعرفن الفتى

قالت الوسطى نعم هذا عمرْ

///

قالت الصغرى وقد (تيَّمْتُها)

قد عرفناه وهل يخفى القمرْ”

   ولما كان الشاعر قد عرف أنها مالت إليه، وتعمدت إشعاره بحبها قبل أربعٍ وأربعين عاماً حين كانت (تترصده) أو ربما (يترصدها) أو قل يتراصدان.. في تصريحه في قصيدته القديمة (بدأ العمر الآن) التي كتبها في ٩كانون الثاني ١٩٧٩ التي يؤكد رصدها إياه: (تترصدني تحصي أنفاسي، خطواتي)

قالت: من أي الطرقات أتيت

فتغيَّر خط القدمين الممتد

من مدرستي حتى البيت

قالت: وانهمرت كالمطرِ

أسئلةٌ في شتّى الفِكَرِ:

ماذا قد وجد الاعجاب؟

فأجبت: بأني مفتونُ

ولقيتُكِ صوتاً وعيونْ

قالت: والصدر اللاهث من تعبٍ، لا بل خوف

وهو في قصيدته الجديدة  يستهل قصيدته بقوله (أتبعتها) وفي البيت التالي (تبعتها) في الأول اتباع في النظر،وفي الثاني في الحركة ؛لأن الذاكرة تحيلني الى قوله في قصيدته القدمى(ترصدني تحصي انفاسي تتبعني…) والمتيمة هي الصغرى التي تُقر بانه لايخفى، وهو كالقمر لشهرته” وإخالني (الصُّغرى) التي (ولهتْ) وتكادُ تتبعُهُ بلا حرجِ”. مع اختلاف لفظتي الاعتراف بحبها في النصين فهي “المتيمة” في قصيدة عمر، و”المولهة” في قصيدة أستاذنا الزبيدي… وتقاربهما في الدلالة، والقارئ يلحظ اجتهاده في متابعتها في قصيدته القديمة بقوله: “فتغيَّر خطُ القدمين الممتد” وهو يقصد الذهاب إلى بيته من مدرسته..لكنه يعتذر بتغير خط القدمين بلا إرادته.. كما يلحظ اجتهادها  في قصيدته الجديدة بقوله واصفا مشيها:

فَتَباطَأَتْ من حيثُ أُدركُها

لتجرَّني في أيِ مُنعَرجِ”

وشاعرنا واسع الاطلاع يقف على قاعدة  قرائية عريضة من الشعر العربي قديمه وحديثه.. فهو كما قرأ ديوان ابن أبي ربيعة الأموي، ونظر إلى إحدى قصائده الشهيرة، قرأ ديوان السياب ونظر إلى قصيدته الموجهة إلى مستعيري أو مستعيرات ديوانه:

“ديوان شعر ملؤه غزلُ

بين العذارى بات ينتقل”

في قوله :

“هل قلبُكَ دفترُ أشعارِ- ما بين الأيدي ينتقلُ”

   ولقلبها حضورٌ أسهم في رسم هذا المشهد الإنساني بينهما، فصدرها في قصيدته الحرة القديمة لاهثٌ من تعب،ولكنه سرعان ما يستدرك ويضرب عن المعنى الأول ليؤكد أن لهاثه إنما هو من الخوف، وفي قصيدته الحديثة:

” خذني فصدري صار مضطربًا

كالبحرِ في موجٍ وفي لججِ”

وقبل هذا تطالبه في أن يأخذها بصدر قارٍ ثابت:

“قالتْ وقدْ لمحتْ محاولتي:

خُذني بصدرٍ غيرِ منزعجِ”

بعد أن رأت منه ما يحدث للمحموم، المنهك القوى، الذي كاد أن يصاب بالفالج :”

وبدوتُ في ثوبٍ يُخالطُهُ

بعضُ الغرورِ، وكثرةُ الفُرَجِ

///

لملمتهُ وكأنْ تداهمني

حُمَّى، وكدتُ أصابُ بالفلَج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى