أدب

ظلال

شعر: مروان عياش| سوريا 

الناسُ والحجارة
في الشارع الثاني بعدَ الميلاد
الأصواتُ ناطحاتُ سحابٍ مزدحمة
تتسلقها الظلالُ لتنتحرَ بشموخ
وتحتَ الأقدامِ صوتٌ محروق اللسان
لا يلتفتُ له إلا الصدىَ في الأقبية

في الشارع العام
حيث يصطفُ الصوتُ بألوانٍ باهتة
يتظاهرُ بالصورة
يتجسدُ بالخوف
يبتاعُ زجاجات الدمِ الفاخرة
هناك
تُعلَّقُ الأزمنةُ على الحبال
يتدلّى النهارُ مثل لافتةٍ متعبة
وتتقدّمُ الظلال
تبحثُ عن مكانٍ لا تُطارد فيه
تتعثرُ بالضوء
كأنه حجرٌ آخر
أُضيفَ إلى الطريق
عند الزاوية
تلك الزاويةُ التي لا يمرّ بها أحد
تنامُ قصيدةٌ بلا حبر
تحلمُ أن يُنادى عليها من بعيد
ويتنفّس الجدارً
كأنه يُجرّبُ صوتَه الأول
بعد أعوامٍ من الغبار

ويمشي الضوءُ متردّدًا
يرسمُ على الواجهات ندوبًا خفيفة
لا يراها إلا الذين غَضوا الحياة
وتَعبتْ أعينهم من الانتباه

وعند حافةِ الجسرِ المعلق بين دهرين
ينعطفُ الظلُ نحو صمتٍ أثقلُ من العابرين
تتوقفُ عرباتٌ سوداء
تنتظرُ خطوات لم تصلْ بعد
يمتدّ النهرُ تحتها
لا ليعكسَ الوجوه
بل ليخزّنَ ما تناثرَ منها
حين مرّتْ الأيامُ سريعًا
وتركَتْ وراءها ما فوق الماء

وفي الضفةِ الأخرى
ينامُ مقعدٌ خشبي
يعدّ على أصابعه من جلسوا عليه ثم مضوا
ويُهمس للأشجار عن سرٍّ قديم
ظلّ يتبدّد كلما حاولتْ الريحُ الإمساكَ به

وعند الممرّ الصاعدِ إلى المساء
تتلّقى الجدرانُ وقعَ الظلال
كما لو كانت تحفظُ للمدينة ذاكرةً لا تريد الاعترافَ بها
هناك
تعبرُ قطعةُ حنينٍ مرتعشة
تمدّ ظلها فوقَ المدى
كأنها تبحثُ عن صاحبٍ ضاعَ عنها في زحمةِ النهار

وفي المساء
تهبطُ فسحةُ ضوءٍ صغيرة
كأنها رسالةٌ تأخّرتْ كثيرًا…
وتبحثُ الآنَّ عن يدٍ تَستلمُها
يلتمعُ الحجرُ تحتها
فيبدو الطريقُ مبلّلًا
بما تركته الخطواتُ من حنينٍ
معلقٌ على أطرافِ الأزقّة

الناسُ والحجارة
ظلالٌ تحاولُ رسمَ المكان
شكلٌ جديد…
لا يعرفه أحدٌ…
لكنّ الجميعَ يمرّونَ قربه
بقدرٍ من الانتباه
وبقدرٍ من النسيان…

وهكذا،
حينما اكتملَ الليلُ والخطوات ..
عند حدودِ يومٍ منهك
ارتفعتْ من الأزقّةِ أنفاسٌ
تشبهُ صلواتٍ لم تُكتبْ بعد
هدأتْ الجدران…
وتنحّى الضوءُ قليلًا
ليمنحَ الظلالَ فرصةً
كي تَنقشَ وجوهَ الذين عبروا
فوق الحجارة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى