رئة من خشب

إسماعيل حقي الجنابي | العراق

مِمَنْ أعودُ إليَّ الآنَ يا طرقُ

‏وكلُّهم موجسٌ منّي بما سرقوا

‏أرى الوجوهَ أشاحيباً تحدّقُ بي

‏وقد تعثرتُ في وهمي وهم سبقوا

‏مسافة ُالموتِ ما بيني وبين دمي

‏خطىً من الخوفِ كلٌّ فيهِ منزَلِقُ

‏أحتاجُ ألفَ فضاءٍ كي أطيرَ إلى

‏قلبي لألفِ جناحٍ فيّ يستبقُ

‏ممن أعودُ وممن أشتري زمني

‏بحفنةٍ من ترابِ الشِّعرِ يا ورقُ

‏مضى النّهارُ وهذا الليلُ دثَّرني

‏ببردهِ وانطوى الأهلونَ وافترقوا

‏لاشيء غيرَ صريرِ البابِ يفتحُ لي

‏آفاقَهُ حين أفقُ الدّارِ ينغلقُ

‏لا حلمَ إلا أناشيدا أطوفُ بها

‏على ضياعي وهذا المنبرُ الخلقُ

‏يا منبرَ الشِّعرِ ما أنبيكَ إنَّ دما

‏ينزُّ بين القوافي سوف يحترقُ

‏أنا وإياك من نبكي مطالعَنا

‏وكم تهاوتْ وكم قلنا سننطلقُ

‏من أوّلِ الشِّعرِ من لثْغَاتِ أحرفهِ

‏من أربعينَ أضاعتْ خطوَنا الطّرقُ

‏والآن وحدي بلا حلفٍ يؤازِرُني

‏سوايَ، لا شمسَ تغريني ولا شفَقُ

‏لا وجهَ للزّمن ِ الآتي فيعرفُني

‏لا صوتَ.. لا عينَ تبكيني ولا حدَقُ

‏أنا اغترابُ أماني البحرِعن سفنٍ

‏ضلّتْ مداها وأغرى عريها الغرقُ

‏يا أيّها الخشبُ الممزوجُ في رئتي

‏متى يؤذنُ فيكَ الصّوتُ والورقُ

‏متى ستعلنُ في الأرجاءِ أن دماً

‏مُسربلاً كاد حدَّ الموتِ يختنقُ

‏متى ستحتجُّ أنَّ الطَّارئينَ غدتْ

‏أصواتُهم ملءَ هذي الأذن ِتُخترقُ

‏لحقبةٍ من هيام ٍ فيكَ يَمضغُني

‏رَحى الكلام ِوهم للآن َ ما نطقوا

‏يا منبري يا صدى أمسي، وأوّلُهُ

‏أنّي نَمَوتُ على كفَّيكَ أحترق

‏أكلّما جئتُ أزجي جزلَ قافيتي

‏سعتْ ورائي أفاعي الخوفِ والقلقُ

‏فكم صبرنا وكم حمَّلتَ كاهلَنا

‏ما لا نُطيقُ وأعيى صبرَنا الحنقُ

‏إنَّ البطولة َ قول ٌ فيكَ نَخْلَصُهُ

‏لو قيلَ :بعضُ الذي قد قيلَ مُختَلقُ

‏يا سيدي يا عراقَ اللهِ يا وطني

‏فدتكَ روحي ولو ما عُلِّقتْ عُنُقُ

‏لَكَمْ خلعتُ على شطّيكَ باقيتي

‏وأدمعاً كلَّما لَمْلَمْتُ تندلقُ

‏أيامَ كانتْ طبولُ الحربِ تعزفُنا

‏موتاً وكنّا بحبل ِاللهِ نعتنـقُ

‏معلَّقينَ على أشباحِها وطناً

‏كنّا نَمدُّ لهُ الأرواحَ لو مرقوا

‏عمَّا سأنبيكَ.. أحداقٍ وأفئدةٍ

‏بها الحنينُ هَيامٌ والهوى نَزقُ؟

‏تمرُّ بي مثلَما طيفٍ يُقرِّعُني

‏فأنضوي بين لا أرضى وأتّفقُ

‏ووجهِ أمي التي كانت تودّعني

‏(ترشرش ُ) الماءَ خلفي حين نفترقُ

‏علّي أعودُ ..ولا أدري فربّ دم

‏أحتاجه لحروب سوف تندفق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى