الإعلامية وفاء كمال الخشن وجهاً لوجه مع الفنانة ماجدة الخطيب والمخرج أحمد الخطيب (5) 

بعد حديث طويل عن فيلم الانتفاضة .قال المخرج أحمد الخطيب وهو يبتسم:

ـ نحن قررنا أن نغير السينما هل لديكِ مانع؟

أجبته ضاحكة: بالتأكيد ليس لدي مانع، ولكن هناك أحداث سياسية هامة بالنسبة لجيلكم،،،

لماذا لم تولِّد في داخلك نفس الإحساس بضرورة تغيير السينما؟

ـ (ج) فعلاً عندك حق، فهنالك الكثير من الأحداث وبالنسبة لجيلي كان لكل منهم وقفته السياسية التي كانت تحتاج لمئات الأفلام… لقد حرَّكت تلك الأحداث بداخلي أحاسيس كثيرة. وأقمنا بسببها مؤتمرات ونشاطات سياسية.

***

 ( س ) وماذا قدمتم على الصعيد الفني؟

 (ج) لم أستطع ان أحقق شيئاً كفنان. لأنني حينذاك لم أكن أحمل سلاحي الحقيقي، الذي هو الكاميرا.

***

 (س) والآن وأنت تحمل سلاحك الحقيقي هل استطعت أن تحقق انتصاراً للسينما؟

 (ج) بعد أن رأينا الحجر يواجه ” التكنولوجيا ” الحديثة لم يعد لدينا حجة في أن نبقى متخاذلين  لدينا مادة خام للسينما فمن يريد أن يصنع سينما لم يعد لديه حجة لكي لايصنع.

***

 (س) تقصد أن الحدث الواقعي القوي يستطيع أن يحل ازمة السينما، ويعيد إليها الحياة؟

 (ج) الانتفاضة تعيد الحياة للأمة العربية، فلماذا لاتعيد الحياة للكاميرا؟

***

 (س) والحرب اللبنانية لماذا لاتدعون السينما العربية لتصويرها؟

 (ج) صدقيني إنني منذ سنوات وأنا أجري خلف تلك القضية . ولم أتمكن من صناعة فيلم  حول الحرب اللبنانية. ولكني ولو حتى آخر لحظة في حياتي سأصنع هذا الفيلم، وسأتحدث عن المؤامرات التي تحيط بلبنان والمطامع الصهيونية بها. فقضية لبنان هي قضيتي. وكل قضية عربية هي قضيتي من الخليج حتى المحيط.هل هنالك شيء يستطيع أن ينزع من صدر البني آدم جزءاً من إحساسه؟

***

 (س) واضح أن الشعور بمعاناة الحدث هو هام بالنسبة لك من أجل صناعة الفيلم والبعض يبدأ عندهم الفيلم منذ لحظة قراءة السيناريو. والبعض الآخر عند بدء التصوير. وآخرون أثناء المونتاج . فمتى يبدأ عندك الفيلم؟

(ج) الفيلم يبدأ عندي منذ لحظة احتكاكي بالحدث وانفعالي مع معاناة الناس التي تعيشه .فأجد نفسي متجهاً صوبه دون توجيه من احد . مثلاً فيلم ” الهروب من الخانكة ” بدأ برسالة من سجين سياسي مودع في إحدى مستشفيات الأمراض العقلية أكثر من خمس وعشرين سنة. وهو أستاذ فاضل ومفكر مصري كبير. يكتب إلى زميله الصحفي رسالة مستغيثاً لكي يخرجوه من “الخانكة”. بدأت الفكرة من هنا. كافحت سنوات طويلة وأنا أجري خلفها، إلى أن أصبحت فيلماً يعري شكلاً من أشكال الإرهاب السياسي الذي تمارسه الدولة تجاه قطَّاع المثقفين والمفكرين والثوار. حيث تم استبدال السجون في زمن الديمقراطية بأشكال أخرى. فديموقراطية ما بعد “كامب ديفيد” أودعت الكثير من المفكرين والمثقفين في مستشفيات الأمراض العقلية.

ففي فيلم “موعد مع الرئيس” ناقشتُ صورة من صور التدخل الإسرائيلي داخل حدود مصر العربية. هذه القضية عاشت لدي أكثر من ثلاث أو أربع سنوات، إلى أن تمكنتُ من إنجاز هذا الفيلم الذي أعري فيه السلوك الإسرائيلي، وأُبَيّن أن للشعب المصري موقفاً خاصاً به، وأنه لايمكن المزج بين المصريين والإسرائيليين. هذا كان موقفي من البداية. وقد جريتُ خلف هذه القضية حتى تمكنتُ من توضيحها. والاستفتاء الجماهيري أكدت نتائجه رفض كل محاولات التنازل والاستسلام.

***

تدخلت  الفنانة ماجدة قائلة: نحن نقدم أحاسيس يا عزيزتي ولانقدم تنازلات بالعمل الفني من أجل تحقيق فكرة أن الجمهور”عايز كده”. الجمهور لم يعد غبياً وخصوصاً فيما يخص مصيره. نحن لا نحب أن يطلق الجمهور صيحات النشوة إلا في حالة الانفعال الحقيقي. و نتمنى ونسعى لنخلصه من المسكنات الفنية التي تجرعها منذ طفولته. فجَعَلَتْ بعضه يتأمل العمل بعين فردية. نريد أن نقدم أفلاماً بمستوى فني رفيع. يرفع أذواق الناس ويعلمهم الرؤية المركبة دون أن نشوه رؤيتهم.

***

 (س) ولكن قد حدث كثيراً أن أغمضتِ عينيكِ من وقت لآخر من أجل الأغلبية التي تسعى للمسكنات الفنية .

(ج) كما يقول بعض السينمائيين: الجمهور طفل مستعد دوماً لتقبل مايسليه. عمل ممتاز أحياناً، وترهة أحياناً أخرى. ألم تتحقق أعظم النجاحات لكثير من الأفلام والمسرحيات التافهة، في الوقت الذي تُعرَض فيه أفلام على مستوى عالٍ من الالتزام والجدية

أنا شخصياً لن أغمض عيني لأرضي الجمهور. ولكن هذا هو شأن السينما، قد تنجرف مع فيض من الصور . ولكن كما يُقال: بضع دقائق من السينما السليمة أثناء فيلم يستمر عرضه ساعة من الزمن تكفي لتغذية أملنا .

انتقلت لأسأل الفنانة عن الأطفال الذين يشاركون بالفيلم وكيف سيتمكنون من تجسيد انفعالات طفل الانتفاضة الذي يعيش ذلك الواقع من القهر والاستلاب والعدوان. قالت : هذا السؤال كان في ذهني قبل البدء بالتصوير. وكنتُ أعتقد أن ذلك سيشكل مأزقاً إذا لم ينجح اأطفال الفيلم  بتجسيد انفعالات أطفال الانتفاضة. فكان الحل هو أن أستعين بأبناء الشهداء وأمهاتهم، الذين قَدِموا إلى هذا المكان البعيد، وتطوعوا معنا لتصوير مشاهد من الانتفاضة. وكانت هذه فرصة لاكتشاف مواهب عدد من الأطفال كالطفلة “يمامة” التي لا أحب أن أتحدث عنها كثيراً الآن . بل سأدع الفرصة للكاميرا أن تتحدث عنها.

***

 (س) وهل هي موجودة الآن ؟

اقترب مني في الحال رجل ضخم ذو منكبين  عريضين  يرتدي بزة رسمية زرقاء ويثبِّتُ في أذنيه سماعتين. باعد بيني وبين الفنانة ماجدة. لم أعرف ماهي مهمته بالضبط. لكن ْخمنْتُ أنه رجل أمن. وقد تذكرتُ وصية أمي لإخوتي بأن لايجادلوا مطلقاً رجال الأمن.. طلب بطاقتي الصحفية. تمعن بها ورماها في حضني وأشار إليَّ بإنهاء اللقاء. فأنهيته وأنا أسترجع رجاء الفنانة ماجدة لي باحترام صمتها.

ودَّعْتَّها وأنا أكنُّ كل الاحترام لصمتها. الذي ترك في رأسي أطناناً من الثرثرة والتساؤلات والضجيج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى