الإعلامية وفاء كمال الخشن وجهاً لوجه مع المخرج المصري رأفت الميهي

على حد تعبير “رينيه كلير”: (لاريب أن آلهة الحكمة لايمكن أن تنظر بدون ابتسام إلى مانسميه التقدم)… هذا الكلام ينطبق على المخرج المصري “رأفت الميهي” الذي شكل ظاهرة فريدة في تجديده وتغييره الدائم وجرأته في كتابة “الفانتازية السينمائية “وإخراجها. ففي كل فيلم من أفلامه نشعر أننا ندخل مغامرة جميلة ومثيرة، انطلاقاً من السيناريو وحتى تفاصيل الفيلم الدقيقة.

فالميهي كاتب سيناريو متمرس، خريج معهد السيناريو الذي أسسه القطَّاع العام للسينما في مصر ، وقد كتب وترجم عدداً من القصص القصيرة والمقالات الصحفية. وكتب سيناريو الكثير من الأفلام، مثل ” شيء في صدري، غروب وشروق، أين عقلي، الحب الذي كان، على من نطلق النار، غرباء وسمك لبن تمر هندي. عيون لاتنام، الأفوكاتو، للحب قصة أخيرة، السادة الرجال، سيداتي آنساتي ..” وقد فرض أسلوبه المتجدد أداءً جديداً على الممثلين، منذ بداية إخراجه.

وكان قد شارك في مهرجان دمشق السينمائي السادس بفلمه “سمك لبن تمر هندي ” الذي هو عبارة عن كوميدبا ساخرة تعتمد على الموقف الذي قد يحصل مع أي إنسان. وقد خلط الميهي في فيلمه بين الخيال والواقع بأفكار جريئة استوعبت الأوضاع السائدة في مصر. حيث ناقش فيه حكم العسكر وقضايا ااجتماعية متعددة. وقد لقي ذلك الفيلم إقبالاً من جمهور المثقفين .

***

فقد غاص الميهي في أعماق الممثل ونبشها بأصابع شقية، اكتشفها بحساسية الحالم، وعين العبقري، ثم أخرجها إلى السطح كاللحظة الطائرة حيث كان يمكن أن ينتهي الفيلم عند أكثر من مشهد. ورداً على ذلك قال الميهي:

لو أنهيتُ الفيلم عند صرخة أدهم لاخترتً الحل الفردي.

***

وعن خلط الخيال بالواقع قال:

أعترف انني كنتُ خائفاً من الوصول إلى الخلط، فأعدتُ بناء الفيلم، لأبتدئ واقعياً. ثم وضعتُ صلة خيالية وتابعتُ، ولو كنتُ أمتلك الجرأة لأكملته واقعياً.

لقد انتقلَتْ للميهي أفكار كثيرة من الشارع، وآثار فيلمه جمهور الصالة حتى ملأ الدمع عينيه لأنه حزين. وقد وعد أنه لن يبكي في فيلمه القادم.

***

سألته: هل حدَّدَت فكرة أن الجنون لايواجه إلا بالجنون شكل الفيلم واتجاهه السريالي، أم أنه مذهب تنتهجه في السينما؟

(ج) القضايا الاجتماعية متعددة. وتكرار الحوادث اليومية يثير فينا العبث. وأنا أعمل على إخراج ذلك العبث من الواقع وأصنعه في إطار سينمائي. وليست المسألة مسألة مذاهب ومناهج. وإنما انا أميل للتعبير عن الواقع بهذا الشكل الفني. إنني أكتب العالم كما أراه لا كما هو عليه.

***

(س) لاحظتُ تكرار معالي زايد ومحمود عبد العزيز في بطولات أفلامك وكأنكم فريق عمل مستمر. فهل هناك شروط لاختيار شخصيات أفلامك تتوفر في هذين الوجهين.

(ج) أنا اعتمد على موهبة الممثل نفسه وصدقه ودقة أدائه وفهمه لما أريد.  ثم أُخرج مايحتويه من إمكانات فنية. وقد وَجَدْتُ أن معالي زايد يجب أن لا تظل محصورة في دور بنت البلد، إذ أنها ممثلة مجيدة ومتعددة الإمكانات. وكذلك هو محمود عبد العزيز. فأنا كنتُ أشعر بإمكانات هذين الممثلين وموهبتهما وفهمهما لما أريد. وهذا لايعني أنني سأقتصر عليهما في عملي كمخرج. وإنما أعمل مع كل من يفهم ما أريده، ويتفاعل مع دوره. فالإبداع لا يتم من جانب واحد، وإنما تسهم فيه عدة عناصر إنسانية. فالفهم بين الممثل والمخرج، أمر مهم، وتساهم الصداقة في فهم العمل وتنفيذه .

أنا كنتُ أستريح في العمل مع هذين الفنانَيْن. وهذه الظاهرة ليست خاصة بي. بل هناك ما يشبه هذا الارتباط في السينما العالمية  مثل ارتباط أنوك إيميه وآني جيراردو وإيف مونتان بأفلام المخرج الفرنسي كلود ليلو .

***

بصراحة لم أكن أسمع بليلوش وسألته سؤالاً لم أعرف إذا كان صحيحاً أوفي مكانه أم لا.. قلت: وكاد جفناي يتطابقان من شدة النعاس بسبب الإرهاق والسهر: المخرج ليلوش ولم (أتذكر الجزء الأول من الااسم ) مرتبط بسينما المؤلف وأنت كذلك هل تفعل هذه السينما إسوة به. هذا الموقف يذكرني بعادل إمام عندما قال: (مين زكي جمعة ؟)

اجابني الميهي: صحيح أن هناك الكثير من الأوروبيين الذين يؤمنون بهذه السينما قبل ليلوش وجان لوك غودار وكوستا جافراس قُرَّعتُ نفسي على سؤالي الذي فتح علي باباً من أسماء لم أسمع بها وبدأت أهز رأسي وكأنني على تماس بهؤلاء المخرجين . بينما رأسي يكاد أن يتهاوى من شدة التعب والنعاس بينما استرسل هو بكل  همة وحيوية. قائلاً : ولكن حينما أصنع أنا هذه السينما وأكتب السيناريو لفيلم من إخراجي ، فإن ذلك السيناريو لابد ان يكون نابعاً من قضية تلح على وجداني وتحرك أحاسيسي للقيام بذلك العمل .فأنا ضد السينما التي تفتقد للجانب الفكري والاجتماعي لتتحول إلى سينما تجارية.

***

لم يلمح تعبي وكان بعكسي تماماً شديد النشاط .فقلت له: لو انتقلتَ من مركزك كمخرج إلى مشاهد. ألا تعتقد أن مشاهدة فيلمك “سمك لبن تمرهمدي” بدل تمر هندي، حيث بدأت أخلط بالكلمات وكدتُ أن أغفو واستجمعت العبارات وأكملت – تخلق صعوبة في الفهم عند المشاهد العادي؟

(ج) لاأعتقد ذلك . الناس بالتأكيد سيجدون انفسهم امام شيء مختلف غريب، قد لايفهمونه إلا أنهم في نفس الوقت يشعرون أن الفيلم برمي إلى شيء ربما لايدركونه تماماً. ولكن مع ذلك يضحكون بشدة. وهذا يعني أنهم أحبوا العمل، وقد تصلهم الأفكار بأسلوب جديد بعيد عن التقليدية التي اعتادوها مما يشد انتباههم أكثر ويحرك عقولهم لتفهم العمل واستيعابه بدلاً من الاسترخاء الكامل  ووصول الأفكار لهم بالملعقة.

***

(س) ولكنَّ الفيلم فقير بالصور لماذا ؟

(ج) لقد كلفني الفيلم اموالاً طائلة .ولكي لا يكون فقيراً بالصور يجب ان أكون مدعوماً مادياَ، وأنا أدعم نفسي بنفسي ولو توفر لي التمويل الكافي لشاهدتُ ماطلبتِ. وفي كل الأحوال المهم ليس غزارة الصورة وإنما كيفية توظيفها لدعم فكرة الفيلم . المهم أن تكون الصور المعروضة ذكية وحية ومنسجمة.

***

(س) كل السينمائيين يشكون من الأزمة الاقتصادية التي تلاحق السينما المصرية . فمن أين أتت هذه الأزمة؟

(ج)  الأزمة أتت من إخواننا العرب . جميع العرب يسرقوننا المغرب الجزائر تونس لبنان الأردن السودان فنحن نعمل فيلم بمبلغ كبير يشتريه أحدهم وينسخه ويبيعه بمبلغ صغير جداً

***

ضحكت وقلت : سرقة السينما دليل من دلائل الوحدة العربية .

قال: لو ارتدَّت الأموال التي ندفعها لنا من جديد لاستطعنا أن نقدم أفلاماً أكثر وأفضل وأشد تأثيراً .

***

(س) وعلى المستوى الفني أليست هنالك أزمة ؟

(ج) إطلاقاً، فالسينما المصرية في الثمانينات تعيش ازهى عصورها. فلم تحدث حقبة في تاريخ السينما المصرية يجتمع فيها هذا الكم الهائل من المخرجين المثقفين والمبدعين والمجددين مثل (يوسف شاهين، صلاح أبو سيف، كمال الشيخ، عاطف الطيب، توفيق صالح، حسين كمال ، وأشرف فهمي. سعيد مرزوق، منير راضي، محمد خان خيري بشارة …..)

كان النعاس قدبلغ أشده عندي وكان هو في أشد حالات صحوه لذا أثنيت عليه وشكرته. وغادرت الفندق بالحال قبل أن أضجع على أحد أرائكه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى