تبًّا لمعاليك
بقلم: داليا الحديدي
قد يضطر المرء للمفاضلة بين خيارين سيئين، فيختار أهون الشريّن البغيضين، سيما حين تجبرنا الأقدر على المفاضلة بين المر والعلقم، بين الظلمة والعتمة، بين الموت شنقاً أم غرقاً، يبن السباب والبصاق، بين داعش أوهتلر، الوحدة والضياع، العقوق والعقم، بين غدر الحبيب وظلم القريب، وتختار، فتحتار، ولو لم ترضخ، فستتحفك الأقدار بإهدائك الخيارين في سلة قدر واحدة.
فهذه سيدة تحكي عن استنجادها بأخويها على أثر تعرضها لحادث اغتصاب، فتعلل الأول بانشغاله على أنه أرسل لها “فوطاً صحية” كنوع نادر وغير رائج من أنواع المساعدات الأخوية! فصدمت، ثم راسلت أخاها الثاني تخبره لعله يواسيها،فما كان منه إلا أن قام بعمل “Block” لها خشية الفضيحة أمام المعارف، ثم شدد على أبناؤه بعمل الشيء ذاته لعمتهم. على أن الأخوين يحرصان على مراسلة أختهما هاتفياً للتهنئة في المناسبات، بل ويصلها منهما دعوات بالخير والتوفيق، ويتعاملان معها كأن شيئاً لم يكن، بل وأحياناً يعاتبنها إن لم ترد على رسائلهما الهاتفية ويشتكيان للمعارف من عدم تجاولها، ففهمت الأخت أن تلك حصتها من الأخوة وعليها المفاضلة بين الأخ “يهوذا” الذي ارتأى قتل أخيه ليخلوا له وجه أبيه وبين “لاوي” الرحيم، ذاك الذي لم يجد داع للقتل واكتفى بقوله “ألقوه في غيابة الجُب”.
وكم من إناث حرمهن الأخوة الذكور من الميراث لاقترافهن جريمة الأنوثة مما يستدعي استنفاع أزواجهن بحصتهن من التركة.من هؤلاء سيدة وضع أخوها يده على جل ميراثها وثبت أقدامه في بيت العائلة ليؤسس واقعا جديدا بإستغلاله لكل شبر في البيت له ولبنيه، فلم يعد لها مكان، كما أنه لطالما أغلظ عليها أمام الجميع إذا ما زارتهم، فباعدت بين الزيارات بُعيد سلسال من الصد والنصب، على أنه يداوم على إرسال خروف لها كل عيد ويروج بالدعاية لهديته ليسمع الجميع عن كرمه مع أخته.. وإذا ما التقيا صدفة، أخذ يغمرها بقبلات سامة،هكذا وصفتها قبلات سامة.. بل ويسألها ببراءة الأطفال عن سبب غيابها.
وإن سُئلت أيهما كان أقسى: نصبه عليها أم قسوته و”استهباله”؟ صمتت، فأمام الخيارات المعدومة أو المحصورة فإن القياس يكون بين السيء والأسواء لا بين الحسن والأحسن وكلاهما سام.
استطاعت العالمة العربية غادة المطيري بأبحاثها استخدام الضوء عوضاً عن المبضع الجراحي، فنالت أعلى الأوسمة العلمية من الولايات المتحدة الأمريكية في الإبداع وقيل إن “الطب بعد اكتشافات غادة المطيري غير الطب قبله”.
ورغم هذا التقدير العالمي لكن معظم العرب لا بعضهم لم يسمعوا عن غادة المطيري، بل إن ال 2000 مشاهدة الموجودة لها على الإنترنت تحمل توبيخاً على شاكلة: “أين حجابها؟ أين نقابها؟ وكيف سافرت وحدها للدراسة في الخارج؟”بل وصل الأمر لتشويه سمعتها والتبرؤ منها والبعض تنبأ لها بجهنم. بل وصل الأمر عند البعض لتخييرها بين التنازل عن الجائزة والدراسة والأبحاث وارتداء النقاب وبين التنازل عن جنسيتها.ما يعني أنها لم تنل سوى الجحود من بني جلدتها مقابل رفعها لاسم وطنها بل ولكل العرب والمسلمين في مجال العلم لذروته!
بالمثل، تقع الدول في مواقف مفاضلة بين خيارين كلاهما شر، لتختار بين أهون الشرين، فرضوخ أي دولة للتعامل مع عدوها ليس دليل خيانة ولكنها حسابات تخضع لموازين القوى والهوان والمؤامة بين الممكن والمتاح.
في حياة كل منا مواقف تحاصره فيها الدنيا بقبلات سامة أو غمرات طاعنة، بخيارين أحلاهما مر، حتى أنه قد يبلغ بنا الأمر لأن نشتاق للمر بعدما تجرعنا العلقم، ونتوق لأن نُسْرَق بعد أن ذقنا النصب.
سأل الطبيب مريضه مستفسراً
دُلني مريضي: كيف أداويك؟
نادى الراعي رعيته متوسلاً
ردي خرافي: كيف أراعيكِ؟
استفسر المعلم من تلميذه مستعلماً
أنبئني بُني: للعلم، كيف أهديك؟
سأل الزوج شريكته مستهبلاً
أخبريني حبيبتي، ماذا أهديكِ؟
خطب الحاكم في شعبه متودداً
شعبي الحبيب: كيف أحميك؟
فطن المسؤول لخبث سائله
فأجابه مقتضباً: تباً لمعاليك