الفنان دريد لحام والإعلامية وفاء كمال وجها لوجه (2)

بعد بضعة أيام اتصل الفنان دريد، واتفقنا على موعد آخر . وصلتُ إلى مكتبه ..كنت أتخيل أنني سأدخل مكاناً يشبه الجنة ..حديقة تودي إلى مكتب من خشب الزان مرصع بالزخارف، وأرائك غلظ ديباجها. بطائنها من استبرق. وحين دخلتُ اكتشفتُ أننا نحن الناس العاديون. نُؤْخَذ بالأسماء والنجوم ونعتقد أن حياتهم لاتشبه حياتنا .فقد كان المكتب صغيراً ، وليس عليه أية سمة للرفاه أو الغنى. وكان جزء منه مليئاً بعمال الترميمات. 
استقبلني ” دريد ” بوجهه الباسم، ونظرته العميقة، وحركاته العفوية الخالية من التصنع أو التكلف. تعرف عليَّ، وسامرني بعض الوقت. سألني أسئلة كثيرة لا تمت للحوار بصلة .مما أدخل الطمأنينة إلى قلبي حيث أحسستُ أنني أعرفه منذ زمن سحيق . وصلنا للحوار بشكل عفوي
تحدثنا معاً حول بداياته الفنية التي تكرر الحديث عنها. لذا لن أعيدها لكنَّ ما نلحظه أن الفنان دريد اللحام إنسان احترم مشاهده من خلال احترامه لفنه بحث في أعماله عن صورة الإنسان الحقيقي لذلك حينما سألته عن الفترة التي سبقت مسرح الشوك أجاب:
وسأوجز جوابه فيما يلي: ماسبق مسرح الشوك لاأعتبره مسرحاً. باستثناء بعض التجارب التي تعلمتُ فيها من الرحابنة. مثل، مسرحية ” عقد اللؤلؤ ” إنهم يشكلون مدرسة وأساتذة في مجال المسرح والكلمة والأغنية.
وقد أحدثت هزيمة ال(67) انكساراً في داخل كل واحد منا بعد الهتافات المدوّية، والأحلام العظيمة بالنصر.
وولدت تغييراً في جمبع مجالات الحياة. من هنا نشأ ” مسرح الشوك ” الجديد الصادق واللاذع. وهنا أُوجزُ حديثه عن مسرح الشوك .
_ إنه فكرة ” عمر حجو ” وأعجبتني . لأنه كان مسرحاً بعيداً عن الإبهار والإثارة. يعتمد البساطة والصراحة ويستمد موضوعاته من حياة الناس ومعاناتهم. كتبنا معاً العرض الأول ” مرايا ” الذي بدأ وقد اشترى احدهم مرآة لاتعمل لعطل فيها وحين يصلحها، تتوالى اللقطات التي تعرض الروتين والرشوة والسرقة. ويظهر صاحب المرآة بين الحين والآخر يعمل في إصلاحها ليكتشف بالنهاية أنه لاعيب في المرآة. وإنما العيب يكمن فينا نحن البشر.

***
_ س : قال أحد النقاد المسرحيين : مسرح الشوك مظلوم لأنه لم يلقَ َالنقد الصحيح الذي يبين جوانبه وينير له الطريق. لأنه كان يرى أن هذا المسرح ينتقي لجظات من حياة الناس ويجسمها دون تحليلها وتفسيرها وإعادة بنائها
_ ج: بالنسبة لي لا أدخل بعمق التفسيرات . أنا عندما أكون على خشبة المسرح أقول كل ما أحس به . وأنتِ وغيرك تقولون إذا كان ما أقدمه مسرحاً أم لا .عندما عُرِض فيلم الحدود، قال أكثر النفَّاد: هذا ليس بسينما . وقال بعضهم إنه مسرح . فقلتُ اقبلوه على أنه مسرح. المهم أن تتعاطفوا مع العمل . طبعاً تلك وجهات نظر أسمعها وأحترمها وأتعلم من بعضها وليس منها جميعها. فليس شرطاً أن أعمل بكل ما يقال لي. أما فيما يتعلق بمسرح الشوك فقد عمل يوم عرضه الأول مظاهرة نقدية. وحين انتهى العرض كانت هنالك وفود من مصر ولبنان والأردن، فيها العديد من النقَّاد والأدباء والكتَّاب الذين وقف أكثرهم إلى جانبه . وقالوا: إن هذا المسرح هو الذي نحتاجه في ظرف القهر والهزيمة. وقد حدثت مشادة وصلت إلى التلاسن بالكلمات داخل الصالة بين بعض المسؤولين الذين هالهم هذا المسرح واعتبروه تخريبياً لأنه يُعرِّي الزيف ويفضح الحقائق. ووصل الموضوع إلى أعلى سلطة في الدولة. فطلبوا رؤية هذا المسرح. ولكن ظهر حينها بعض المسؤولين الذين يحمون الكلمة، ويؤمنون بديموقراطيتها، ويعتبرون أن الفنانين ثوار يجب الإصغاء إليهم وحمايتهم ..

***
_ س :إذن لماذا ماتت تجربة مسرح الشوك بأسرع مايمكن وكذلك تجارب المسارح التي حملت إرثه مثل (دبابيس وصواريخ وبرانيط) ولم تصمد سوى لعرض واحد .
_ ج : بصراحة لاأعرف…ربما يكون السبب هو الظرف. المسرح له علاقة بكل شيء حوله. لايمكن الفصل أبداً بين العرض المسرحي وبين احترام شارة المرور. ولابين المسرح وبين الناس الواقفين أمام المؤسسات الاستهلاكية. إن المسرح والفكر في العالم العربي كلاهما يعانيان من الظرف .

***
_ س : يقول ” بيتر فايس” عن المسرح : إنه يشكل البديل الذي يؤكد بأنه مهما كانت درجة تعقيد الحقيقة فإنه يستطيع تفسير تفاصيلها بوضوح؟ماهو رأيك؟
_ لقد قلتُ لك: أنا لا أدخل عمق التفسيرات، فالمسرح ليس من الضروري أن يفسر، ولكن عندما يفسره المتلقي يجب أن لايحدث اختلاف بين تفسيره وتفسيري. كما أنَّ المسرح يجب أن لايضع حلولاً لأن حلوله دوماً عاطفية. فما نقوله ليس همسة مهذبة، بل صرخة بقلة تهذيب من الشيء الذي نعانيه ونفكر به .

***
_ س: هل نستطيع ربط مسرحك النقدي بالمسرح السياسي
_ج: لايمكن ذلك ..فأعمالنا التي نقدمها، هي أعمال وطنية وليست سياسية، حب الوطن ليس سياسة .السياسة أسلوبية ومنهجية لخدمة الوطن .ولكنها ليست الوطن. العصفور عندما يهرب من القفص لايهرب لأنه يفهم بالسياسة وإنما يهرب لأنه يريد أن يبحث عن حريته وذاته. الجندي عندما يستشهد. يستشهد حباً بالوطن وليس لأسباب سياسية. وحين يصبح استشهاده سياسياً يصبح مرتزقاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى