قضية مستعجلة
د.ريم سليمان الخش-شاعرة سورية
.
غنائية شعرية بين قاضٍ ومتهم بالحرية
القاضي :
ماذا جنيتَ من اجتراح المقصلةْ؟
المتهم:
حريتي كقضيةٍ مستعجلةْ!!؟
القاضي :
ماكنتَ إلا نيزكَ الوعد الجميل مبشرا
ولقد طوتك المرحلة !!
المتهم:
مازلتُ حيّا نابضا بتدفقٍ
شمسا حرورا للرؤى مستقبلة
.
أفقا مضيئا كاشفا لهزيعكم
قلما يخطّ من الدما مستقبله !!
القاضي:
أولم تمزقك الصروف وتنتهي
بين النيوب الكاسرات المُصقلة؟؟
.
ماذا ربحت على الصليب مثبّتا !!
المتهم :
وعيي ومعرفتي ودربا من ولَهْ !
.
خيّرتُ بين ظلامكم ومنارتي!
القاضي:
خيرتَ بين حلاوة أو حنظلة!!
المتهم:
حريتي مرآة روحي ..نفحها …
أنا لم أكن إلا ظلالا مهملة !!
القاضي:
رغم الذي؟!!!
المتهم:
أو يخزن الجلمود ماءً دافقا؟!!
أم ثمّ قمحٌ في شعابٍ مقفلة !!
.
تلك الجراح مسالك الروح التي
ناءت بثقل عطالة متكبلة
.
دخلت مفاعل ثورة مطرية
ترقى حبابا بالغمام مظللة
.
انظر تجد وجهي برغم دموعه
بدرا وهالة وجنتيه مُهللة !
القاضي :
لاوجه للإنسان دون تحررٍ
المتهم :
لارسم للفنان حتى يُكمله!!
القاضي :
كانت دوائرَ من دخانٍ خانقٍ
المتهم :
لاينتهي إلا لأنشقَ أوله
.
كانت فظاعة حقبة دموية
صُبغت نزيفا بالحشا مُتغوّلة
القاضي :
وحماقة اللاهوت جهلٌ قاتلٌ
يبني على أجداثِ قدسٍ هيكله
المتهم :
تسعٌ عجافٌ لم تزل همجية
بالنائبات الداميات محمّلة
القاضي:
أقرأتَ إصحاح الوجود؟! ومابه
إلا اليتامى في رواية أرملة!!
.
تلك الحياة كتابها في عقمها
ومخبّلٌ من قد يحلّ المسألة!!!
المتهم :
تزداد غيما كلّما ازدت اقترابا راعدا
لا أن تغيضَ وتجهله!!
.
إذْ كلّما ابتلت عروقك زدتَ في
شغفٍ به حتى تغبَّ وتثمله !!
القاضي:
العين تكره ماتراه مغبّشا
والقلب ينفرُ من مسالكَ مقفلة !!
المتهم :
والحب طيرٌ لا يحطُ بمهجةٍ
مثل الخيال تراقصا متبدلة
.
العارفون لهم ثمالة وعيهم
تسقى بهم سحبٌ بشوق مرسلة
.
وحقيقة الأرواح خمرة كرمةٍ
أزلية عُصرت لنثملَ بالوله !!
.
قد صبّ صبّا من دنان قصيدة
في العمق سالت للعروق مبللة
*
وقضيتُ أنْ أهوى بملء فصاحتي!!
لاحبّ يخترق النهى المتهلهلة !!
*
بفؤاديَ الإحساس ملتهبا جوى
شعرا يسيل على جوارحَ مثمَلة
.
انظر الى تيار شعرٍ عاشق
فيه الحروف تدفّقت متبتلة
.
تجد المشاعرَ في البيان جحافلا
بالعيد هلّت في قشيبٍ مرفلة
.
طوقٌ مجازيٌ يداعب صدره
بأنامل فيها الوعود مؤجلةْ
.
والخصر شُدّ على حزام سنابلٍ
صفراءَ تبدو عاشقاتٍ منجله
.
حرفٌ يشبّ لظى إذا لامسته
ترك المجاز تصببا قد غسّله
.
بحرٌ تشبعت الحواس بوقعه
موجٌ ترنّم في خطى متدللةْ
.
ويميلُ معْ غَنجِ القصيد تراقصا
حتى يفيض بنشوة مسترسلة
.
حسيّة كالمغنطيس تجاذبا
بتسارعٍ يدع القلوب مجلجلة
.
والسمع يلعق مايطيب حلاوة
شهدا يُخزّنُ في خوابيَ معْسلة
**
وصفٌ به يُطوى المكان تخيّلا
ويزيد في وقع الدقائق هرولة
.
وبأحرفٍ فيها الحنين ملغمٌ
لو أنْ تُغيّبَ في انشطارٍ مجمله!
.
هو قدرة الكلمات إذْ تُحيي وإذْ
تهوي على الأرواح مثل المقصلة !!!
*
القاضي :
أبحرت في لجج الوراء مسافرا
الركب وعيٌ والشراع مخيّلة
.
ماذا وكيف وربما ..كلّ معا
المتهم :
حريتي نفخت رياح الأسئلة
القاضي :
القلب يكره أنْ يخوض تغيّرا
ويخاف فض بكارة في معضلة !!
المتهم:
مجرى الحياة متاهة كهفية
لاضوء يخترق الكهوف المقفلة
.
أنْ لااصطفاءَ من النبوغ لجاهلٍ
والقلب طفل تحررٍ لن يخذله !!
القاضي :
لكن قبولك بالقضاء محببٌ
المتهم :
فرضٌ لعمريَ زائفٌ ..لن أقبله!!
.
: يسعى الطغاة لأنْ نظلّ بهامشٍ
كالريح في جدران بئرٍ مهملة
.
أو لا نكون سوى غبار تَصحّرٍ
ظلا بلا وزنٍ ..توهّم أخيلة !!
.
فتساق للنحر النعاج مع الرضا !!
القاضي:
فتوى تؤولُ أنها متنزلة !!!
المتهم:
حرا أعاقرُ مايفيض بمهجتي!!
وأوّلُ الإحساس خمرا مثمِلةْ!
القاضي :
نشوى الغرام بحيرة قدسية
لاترتوي منها زهورٌ مغْفلة !!
المتهم :
والعشق ضوءٌ لا يكون لمعْتِمٍ
حرر فؤادك كي يشعّ من الوله!
***
الحب معرفة والمعرفة تحتاج للحرية فالحب قضاءٌ – والعبد لايقضي… وكلما ازداد الوعي ..تزداد الحرية ..والقدرة على الحب.