براعم الخوف

سلام علي صبري | العراق
الليلُ يدق أوتاده فوق ضجيج الأحزان
والعابرون إلى قرارة الضياع ضلوا طريقهم بعد أن تمرغ الحراس على تراب أزقة الحي المهجور
ما عاد الظلام ينشد الشعر وعازف الكمان يبحث عن بسطةٍ ليبيع معزوفاته مقابل أجرة عودته إلى بيته الطيني حيث أم وأخت وصغار
والموت يركب أجنحة الخفافيش ويجول في كل مكان يوجد فيه عشاقٌ أو بساتين كروم  أو كركرة أطفال تحت قطرات مطرٍ في حارات العمال وسائقي باصات النقل العام
والذعر يعلن حزمة فرمانات اليأس الجاثم امام شرفات منازلنا
تروج تجارة النقاب القاتل ضحكات العيون وبسمات الثغور
لا شيء سوى خلويٍّ أصم ونقرات مملة توصلنا ببعضنا وحديثٍ نجتره على مضض
تنهار نظريات الاأسنة . يتباعد الناس . ترتجف الأكف لا تجرؤ أن تمتد كي تصافح لتشعر بدفء الآخر
العولمة تحتضر ومعها بلاد الثلج وملجأ الهاربين من ملاعب صباهم وخبز أمهاتهم وحقائب مدارسهم البالية
الوقت ينفد يتسابقون بلا حقائب بلا عطورٍ أو كبرياء نحو طائرة سوف تحط في مدرج لمطار حلموا إن يروه يوم تمردوا على تواضع ديارهم وتمسك الجموع بتراثهم
يستغيثون يصرخون يندبون يبكون
يستعجلون العودة الى بيوت موغلة بالفقر والعفة والإيمان
يريدون أن يناموا فوق أرضية غرفهم الحانية بلا تزويق
أن يهجعوا في حجور أمهاتهم
يستنشقوا عطر ثيابهن الجنائني
يخضبوا بياض جدائلهن بدموع التوبة والندم
يُقبّلوا ذلك التنور الشامخ
يتناولوا اول رغيف تخرجه يدٌ وهبت الكرامة والإباء والحنان
يطرقوا أبواب بيوت الجيران يقبّلوا عتباتها
لقد انتهى موسم الهجرة إلى ذلك الشمال المجهول
حيث غربة المساء واكتئاب الغروب
يعود مهاجرو القوارب البلاستيكية ليسبحوا في أنهار بلدانهم
وعصفور الشرق قفل راجعاً وعاد الى وعيه المفقود
في الحي اللاتيني مقر الحسناوات وإغراء السذج والتافهين والظامئين الى لذة الأجساد الرخيصة
وأُضيئت قناديل الأمهات اللائي عَقَّهُنَّ المستغربون
لا عودة للمدن الشقراء
لمقابر الغرباء والمجهولين
لحاضرةٍ قانونها يبيح قتل الآخر خنقاً بمفاصل صماء وعظام ناتئة
هي رحلة خوف اخرى من اين وإلَى أين ؟
الكل يفر من في البر ومن في البحر
في حانات الخمر
في قاعات الرقص الشرقي والغربي
هجر الملاحون سفنهم وطائراتهم
وترنح دون كيشوت تبخرت عضلاته
هاجمه مَن سخرهم عبر البحار بعد أن احتضن نسخة إنجيل أهملها منذ عقود
إنها وخزةٌ صعقةٌ لحشرٍ قادِمٍ لا محالة وعلى جناح الصبح القريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى