أضغاث آمال
محمود عبد العزيز زمو | شاعر سوري
مِنْ ضِفَافِ النَّهْرِ ظَمْأَى
مِنْ بَقَايَا الْعُمْرِ مَزْرُوعًا بِآلَافِ الْمُدَى
هَا بَقَايَا صَرْخَةٍ
مَاتَتْ وَمَا ارْتَّدَتْ
بِوَادِينَا الْبَعِيدْ
نُرْسِلُ الْأصْوَاتَ تَتْرَى
ثُمَّ نُصْغِي،
لِيْسِ فِي الْوَادِي صَدَى.
هَلْ تُرَاهَا فِي الطَّرِيقِ اسْتَوْقَفَتْهَا ذِكْرَياتٌ
مِنْ زَمَانٍ ؟
كَمْ جَمِيلٌ لَوْ يَعُودُ !
أَمْ تُرَاهَا تَسْتَرِيحُ
عِنْدَ ذِكْرَى
أَمْسَكَتْهَا مِنْ يَدَيهَا
مِثْلَ طِفْلٍ ؛
حَتَّى لَا تَفْنَى سُدَى .
ضَاعَ صَوْتِي
عِنْدَ وَادِينَا الْمُدَمَّى
وَاسْتَحَالَتْ ذِكْرَيَاتِي
حَاجِزًا دُونَ الصَّدَى .
يَا رَبيِعَ الْعُمرِ مَحْفُوفًا بِأَسْيَافِ الرَّدَى
أَيْنَ كَانَتْ هَذِهِ الصَّفحاَتُ مِنْ
سِفْرِ الضَّيَاعْ ؟
كَيْفَ أَصْبَحْنَا سَرَابًا
مَالِئًا قَاعًا فَقَاعْ؟
كَيْفَ صِرْنَا مِثْلَ صَوتٍ
لِيْسَ مَسْمُوعًا بِوَادٍ؟
أَوْ صَدًى خَارَتْ قُوَاهُ
لَيْسَ يَقْوَى الْارْتِجَاع ْ
هَلْ تَرَى فِي الْأْفقِ ضَوءًا
يَاصَدِيقِي ؟
أَمْ تَرَى عُمْرًا تَوَلَّى ؟
هَلْ تَنَاءَى؟
هَلْ تَرَى يَا صَاحِ يَوْمًا؟
لَانَرَى فِيهِ الْوَدَاعْ
لَانَرَى فِيهِ الضَّيَاعْ
لَاذِئَابًا
لَا قَطِيعًا دُونَ راعٍ
لَا وُحُوشًا
لَا كِلَابًا
لَا سِبَاعًا
لَا ضِبَاعْ.
آهِ لَوْ عِفْرِيتُ جَنٍّ
قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ طَرْفِي
يَحْمِلُ الْأَحْلَامَ عَرْشًا
ثُمَّ يَمْحُو مِنْ سِنِينِ الْعُمْرِ عَشْرًا
قَدْ سَقَاهُنَّ زُعَافًا
كَأْسُ بُعْدٍ واغْتِرَابِ ؛
كَيْ يُدِيرَ الْخَمْرَ سَاقٍ
ثُمَّ يَنْجُو مِنْ مَنَاقِيرِ الطُّيُورِ؛
كَيْ يَرَى مَولَاهُ رُؤْيَا
تَفْتَحُ الْقُضْبَانَ حَتَّى
يَعْبُرَ الرُّؤْيَا سَجِينٌ
يَجْعَلُ الْأَرْضَ زُرُوعًا
قَمْحُهَا الْمُصْفَرُّ بُشْرَى
آذَنَتْ بِالْخَيرِ يَأْتِي
مَعَ تَبَاشِيرِ الْحَصَادْ
آهِ لَو يَأْتِي حَمَامٌ
حَامِلًا مِرْسَالَ صُبْحٍ
وَالْعَصَافِيُر تُغَنِّي
لَحْنَ صَوْتٍ
مِنْ حَيَاةٍ
لَاصَدى
لَا ذِكْريَاتْ
بَعْدَمَا الْغِرْبَانُ سَادَتْ
أَلْبَسَتْنَا ثَوْبَهَا الْمُسْوَدَّ صَوْتًا
أَوْ جَنَاحًا .
مَا خَرَجْنَا مِنْ حِدَادٍ
حَتَّى يَغْشَانَا حِدَادْ.
وَالْمَحَاصِيلُ اسْتَفَاقَتْ
لَاتَرَى فِي الْكَونِ إِلَّا
غَيْمَ أَسْرَابِ الْجَرَادْ
آهِ لْو دُنْيَانَا ثَوْبٌ
مِنْ بَيَاضٍ
آهِ لَو يَفْنَى السَّوَادْ.