ماذا يحدث في ليبيا؟ وماذا تريد روسيا وتركيا؟ وما هو وضع مصر؟

أشرف الصباغ| كاتب ومحلل سياسي

 

-الوجود العسكري والأمني لكل من روسيا وتركيا في ليبيا، هو محاولة من كل من موسكو وأنقرة لتبرير وجود الأولى في شرق أوكرانيا، ووجود الثانية في شمال سوريا. وكذلك صنع توازيات ومقاربات لتوريط المزيد من الدول في مغامرات مشابهة. والمقصود هنا هو مصر تحديدا!!

– في حال دخول مصر عسكريا وأمنيا إلى ليبيا (شرق ليبيا) سيكون هذا التدخل تبريرا قويا لتصرفات روسيا في أوكرانيا وسوريا، وتركيا في شمال سوريا. وقد تجري مقايضة مصر من قبل روسيا وتركيا (سواء بشكل ضمني أو علني مباشر) على أمنها. الأمر الذي يدخلها في تواطؤات ضد مصالحها.

– دخول مصر عسكريا إلى ليبيا سيعمل عل تبديد واستنزاف مواردها ويعرضها لأزمات اقتصادية إضافية، كما يعرضها أيضا لابتزاز دول كثيرة، وعلى رأسها روسيا. ولا شك أن روسيا وتركيا ستعملان على دق المزيد من الأسافين بين مصر وكل من تونس والجزائر، وربما المغرب أيضا.

– روسيا لا تزال تضغط على مصر من أجل تحقيق أهداف معينة وتنفيذ شروط محددة. وفي حال عدم قبول مصر أو استجابتها للإملاءات الروسية، فسوف تتصرف روسيا وفقا لمصالحها حصرا، وذلك بالاتفاق مع تركيا بشكل مرحلي وعلى فترات وبطرق مختلفة في ليبيا.

– ليس من الضروري أن يبدأ التعاون الروسي – التركي في ليبيا الآن وبشكل مباشر بناء على اتفاقيات موقعة، وإنما سيتم تأسيس أمر واقع وخلق ظروف حتمية تؤدي إلى توافقات روسية تركية للتعاون في ليبيا حتى في وجود تناقضات، وذلك على نسق النموذج السوري ومع الأخذ بعين الاعتبار الفروق في بعض التفاصيل.

– روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي المنهار تريد استعادة ليس فقط أمجاده، بل وأمجاد الإمبراطورية الروسية بكل الطرق الممكنة. وتركيا وريثة الإمبراطورية (الخلافة) العثمانية المنهارة، تريد استعادة أمجاد الخلافة وتمثيل المسلمين (عرب وغير عرب) أمام أوروبا والعالم.

– روسيا تقايض أنظمة الدول العربية، ملوحة بورقة دعم ومساندة هذه الأنظمة في استمرارها في الحكم واستئثارها بالسلطة مقابل طلبات وأهداف، أو بورقة التعاون مع أنظمة أخرى في خصومة أو صراع أو منافسة مع هذه الأنظمة.

– روسيا ترى في نفسها الآن قوة حقيقية قادرة على أن تحل محل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أو تحل في أي فراغ تتركه الولايات المتحدة!!!

– تركيا ترى في نفسها قوة قادرة على التعاون مع قوى مثل روسيا لإخضاع الشرق الأوسط ووضعه في معادلات وصياغات تعيد لتركيا أمجاد الخلافة من جهة، ومنح روسيا مساحة من النفوذ والتأثير واستعادة أمجاد الإمبراطورية من جهة ثانية.

– جميع الأطراف ستترك القوات التركية تدخل إلى ليبيا، وبعد ذلك ستبدأ نفس جميع هذه الأطراف في بحث الترتيبات الخاصة بإمكانية خروج هذه القوات التركية وحلفائها من ليبيا في المستقبل!!!

– إن روسيا تُلوِّح بورقة خفية وخبيثة، ألا وهي ورقة اللاجئين والمهاجرين، وذلك للانتقام من أوروبا التي تفرض عقوبات على موسكو، ولا تثق بها إطلاقا. إن روسيا تستغل موقف تركيا الابتزازي لأوروبا بشأن فتح الحدود أمام اللاجئين والمهاجرين. وفي الحقيقة، فلدى ليبيا نفس الورقة. وبالتالي، فهذه الورقة سكون بيد من يستولي عليها أو يتحكم فيها. أي أن روسيا وتركيا تدركان جيدا مدى قوة هذه الورقة لتهديد أوروبا والانتقام منها. وكل من موسكو وأنقرة تنتقمان من أوروبا لأسباب مختلفة.

– إن روسيا وتركيا تحولان شمال أفريقيا إلى ساحة صراع مع أوروبا من جهة، ومع الولايات المتحدة من جهة أخرى. وتسعيان لتحويل هذه المنطقة إلى صورة من سوريا، أو بمعنى أوضح، تسعيان إلى أفغنة شمال أفريقيا وتهديد أوروبا وابتزازها. وستندم تونس والجزائر على دعم مشاريع أردوغان عندما تريان دولتيهما تواجهان أخطارا غير مسبوقة!!

– روسيا وتركيا تدليان بتصريحات دبلوماسية وسياسية تخدعان بها قادة وزعماء الأنظمة العربية والتنظيمات الدينية: فالأولى تخدع بعض الأنظمة الرسمية وشِلل الشيوعيين العرب – السوفيت القدامى، وعصابات القوميين والبعثيين التواقين لعصور القمع والاستبداد والزعامات الخالدة. والثانية تخدع بعض الأنظمة الرسمية ومجموعات وعصابات الإسلام السياسي والتواقين لعصور الخلافة والأمجاد الدينية الجبارة في الأندلس والصين وجنوب أوروبا. وفي الوقت نفسه تكن قيادتا الدولتين (روسيا وتركيا) في واقع الأمر احتقارا شديدا ليس فقط لزعماء الأنظمة العربية، بل وأيضا لشعوب المنطقة ولثقافتها. وذلك بصرف النظر عن التصريحات الفارغة التي تطلقها موسكو أو أنقرة بشأن الاحترام والتقدير والتوقير!!

قمنا بوضع هذا التصور في 7 يناير 2020، ونشرناه على صفحتنا. وقد تم توقع ما حصل خلال الأشهر التالية على هذا التاريخ وحتى اليوم الخميس 11 يونيو 2020… للأسف الشديد..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى