” عملاق الجزائر” (الأمير عبد القادر الجزائري)
الكاتبة شيرين أبوخيشه | القاهرة
” وإن دوي الرصاص وصهيل الخيول لآذاننا خير من صوت الرخيم”
(عبد القادر الجزائري)
يرجع بعض المؤرخين بدء الحملة الفرنسية على الجزائر لعام ١٩٢٧ م إلّا أنني أرى أن الحرب الفعلية على الجزائر بدأت مبكرًا جدًا وبالتحديد في عام ١٥٣٨ م إنه تاريخ معركة “بروزة” الخالدة التي انتصر فيها العثمانيين بقيادة القائد البطل خير الدين بربروسا على أساطيل القوى الصليبية المتحالفة. بعد هذا الانتصار الضخم قام القائد بربروسا ببناء
أسطول إسلامي ضخم مقره الجزائر وتحولت الجزائر إلى أقوى قوة بحرية في العالم كله تقود الإسطول العثماني الإسلامي الضخم وصارت الجزائر تعرف باسم جديد هو “دار الإسلام ودار الجهاد” ومنذ ذلك التاريخ تحولت اهتمامات الصليبين إلى الجزائر بالتحديد ويكفينا لكي ندرك مدى القوة التي وصلت إليها الجزائر أن نذكر أن جورج واشنطون أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية دفع جزية للمسلمين تقدر بـ ٦٤٢ ألف دولار ذهبي و ١٢٠٠ ليرة عثمانية دُفِعت للأسطول العثماني في نهاية القرن الثامن عشر وذلك لكي يرضى العثمانيون بتوقيع معاهدة عدم الاعتداء على أمريكا يُذكر أن هذه الاتفاقية هي الوحيدة في أرشيف الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكتب باللغة الإنجليزية وإنما بلغة عثمانية بحروف عربية بناءً على رغبة الخليفة العثماني شخصيًا أما بريطانيا فكانت تدفع سنويا ٦٠٠ جنيه للخزانة الجزائرية وكانت الدانمارك تقدم للمسلمين في الجزائر مهمات حربية وآلات قيمتها ٤ آلاف ريال شنكو كل عام مصحوبة بالهدايا النفيسة أما هولندا فكانت تدفع لأسطول الخلافة العثمانية في الجزائر ٦٠٠ جنيه ومملكة صقلية ٤ آلاف ريال ومملكة سردينيا ٦ آلاف جنيه والولايات المتحدة الأمريكية تقدم آلات ومهمات حربية قيمتها ٤ آلاف ريال و ١٠ آلاف ريال أخرى نقدا مصحوبة بهدايا قيمة وتبعث فرنسا بهدايا ثمينة عند تغيير قناصلها وتقدم البرتغال هدايا من أحسن الأصناف وتورد السويد والنرويج كل سنة آلات وذخائر بحرية بمبالغ كبيرة وتدفع مدينتا هانوفر وبرن بألمانيا ٦٠٠ جنيه إنجليزي وتقدم إسبانيا أنفس الهدايا سنويا.
وعلى مدار ثلاثة قرون من سيطرة الأسطول الجزائري العثماني على البحر الأبيض انتظر الصليبيون الفرصة السانحة للانتقام من المسلمين مما أدى بالدول الأوروبية إلى عرض القضية الجزائرية في مؤتمراتها فبعد أن تم الإشارة إليها في مؤتمر “فيينا” تم عرضها في مؤتمر “إكس لاشابيل” عام ١٨١٨ م وأصبح السؤال الذي يدور هنالك متى تحين هذه الفرصة للانقضاض على الجزائر والحقيقة أن هذه الفرصة أتت في عام ١٩٢٧ م وهو العام الذي دُمِّر فيه الأسطول الجزائري العثماني في “معركة نافرين” البحرية الغريب أن الفرنسين لم ينتظروا طويلًا فتقدموا لاحتلال الجزائر في نفس ذلك العام
هذا هو سبب اختيار الجزائر بالذات أمّا سبب اختيار فرنسا بالتحديد لكي تنوب عن بقية قوى الغزو الصليبي فالدعوة لتلك لحروب الصليبية في مدينة “كليرمون” الفرنسية ولمن كان يظن أن فرنسا ما دخلت الجزائر إلّا للقضاء على الجهل والفقر فعليه أن يعلم أن نسبة المتعلمين في الجزائر في تلك الفترة كانت أكبر منها في فرنسا بشهادة الرحالة الألماني (فيلهلم شيمبرا) الذي كتب حين زار الجزائر في شهر ديسمبر ١٨٣١ م”لقد بحثتُ قصدًا عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة غير أني لم أعثر عليه في حين أني وجدت ذلك في بلدان جنوب أوروبا فقلما يصادف المرء هناك من يستطيع القراءة من بين أفراد تلك الشعوب الأوروبية” الأغرب من ذلك أن فرنسا كانت عاجزة عن سداد ديونها الكبيرة لدى الجزائر وقتها أما من كان يعتقد أن فرنسا أصبحت علمانية الهوى بعد الثورة الفرنسية وأنها قد تخلت عن أحقادها الصليبية فهو واهم أشد الوهم في اعتقاده هذا ولعل ما جاء على لسان الفرنسيين أنفسهم ما يؤكد هذا القول ففرنسا شعرت بعد ثورتها بأنها حامية الكاثوليكية وأن تحقيق الانتصار على حساب الجزائر إنما هو بمثابة انتصار للمسيحية على الدين الإسلامي، وهذا ماقاله القائد الفرنسي (كليرمون دي طونير) عندما فرض حصارا على السواحل الجزائرية عندما قال “ربما يساعدنا الحظ بهذه المناسبة لننشر المدنية بين السكان الأصليين فندخلهم بذلك في النصرانية” وأيضا الوصف الذي قدمه قائد الحملة الفرنسية (دوبرمون) في الاحتفال الذي أقيم في “فناء القصبة” بمناسبة الانتصار حيث جاء فيه “مولاي لقد فتحت بهذا العمل الغزو بابًا للمسيحية على شاطئ أفريقيا” أما اليهود الذين استضافهم المسلمون الجزائريون بعد طردهم من الأندلس من قبل الكاثوليك فقد ردّوا هذا الجميل للمسلمين بأن فتحوا بوابات العاصمة الجزائر للفرنسيين حينئدٍ أظهرت فرنسا حقدها الصليبي على الإسلام بشكل صارخ فقامت بهدم ١١٢ مسجدًا في العاصمة الجزائر لوحدها لم يُبق الفرنسيون إلّا على ٥ مساجد فقط والباقي قاموا بهدمه أو تحويله إلى مخازن أو إسطبلات ثم منع الفرنسيون الحج تمامًا وقام الجنود الفرنسيون بالنهب والسلب في بيوت المسلمين حتى أنهم كانوا يأتون بالأساور في المعاصم بعد أن يقطعوا أيادي نساء المسلمين من دون أن يتركوا لهن وقتًا لنزع أساورهن بل إن بعضًا من الفرنسين كانوا يأتون بأقراط النساء بأذانهن بعد أن يقطعوها بالسكين أما لمن كان مغرمًا بـ “الإتيكيت الفرنسي” فعليه أن يقرأ هذه القصة الصغيرة التي تبين مدى الرقي الفرنسي فعندما التجأ ٨٠٠ مسلم جزائري إلى أحد كهوف الجزائر مصطحبين معهم ماشيتهم هربًا من بطش الجنود وخوفًا على الفتيات الجزائريات من الاغتصاب قام دعاة الحضارة “الإيتيكتيون” بإشعال النيران في الكهف على من فيه ليذهب شباب القرية في الصباح ليتفقدوا أوضاع أهاليهم ليجدوا العجب
فلقد وجدوا جثث الأطفال المتفحمة بين بقايا الدواب المحترقة فنار الفرنسين لم تفرق بين الإنسان والحيوان في القتل ثم وجدوا شيئًا جعل الكثير منهم يسقط مغمًا عليه من فظاعته ووحشيته وجدوا جثة محترقة لرجل تتعلق يداه بقرني ثور متفحم يبدو أنه هاج من شدة الدخان فاتجه نحو ذلك الرجل الذي صده بيديه ولمّا أزاح الشباب جثة ذلك الرجل وجدوا من خلفها جثة لطفلة في حضن أمها وقد تفحمتا لقد كان هذا الرجل زوجها الذي أراد أن يحمي طفلته وزوجته من ذلك الثور الهائج فأمسك بقرنيه ليحميهم قبل أن تحترق العائلة والثور معًا بنار فرنسا
هذه المآسي لا أذكرها من باب نكء الجراح على فرنسا ولكن أذكرها لسببين الأول هو رفض فرنسا الاعتذار للجزائر عن جرائمها التي ارتكبتها في حق المسلمين في الجزائر وبذلك تكون امكانية تكرارها على المسلمين واردة وهذا بالفعل ما حدث بالبوسنة منذ أعوام قليلة عندما فكّت فرنسا الحصار على الكاثوليك الكروات وأمدتهم بالسلاح لقتل المسلمين في البوسنةظهرت من بين حطام الدمار ورماد اليأس عظيمٌ إسلامي رفض القبول بالواقع المرير فحمل راية الإسلام في علياء الجزائر فحول أرض الجزائر إلى كتلة من لهب هذا البطش والجبروت ساعد على قوه وصلابة الأمير عبد القادر الجزائري الذي عندما تولى عبد القادر الإمارة كانت الوضعية الاقتصادية والاجتماعية صعبة لم يكن له المال الكافي لإقامة دعائم الدولة إضافة إلى وجود معارضين لإمارته ولكنه لم يفقد الأمل إذ كان يدعو باستمرار إلى وحدة الصفوف وترك الخلافات الداخلية ونبذ الأغراض الشخصية كان يعتبر منصبه تكليفا لا تشريفا
وفي نداء له بمسجد معسكر خطب قائلا إذا كنت قد رضيت بالإمارةفإنما ليكون لي حق السير في الطليعة والسير بكم في المعارك في سبيل ”الله“
الإمارة ليست هدفي فأنا مستعد لطاعة أيّ قائد آخر ترونه أجدر منّي وأقدر على قيادتكم شريطة أن يلتزم خدمة الدّين وتحرير الوطن
إن وحدة الأمة جعلها الأمير هي الأساس لنهضة دولته واجتهد في تحقيق هذه الوحدة رغم عراقيل الاستعمار والصعوبات التي تلقاها من بعض رؤساء القبائل الذين لم يكن وعيهم السياسي في مستوى عظمة المهمة وكانت طريقة الأمير في تحقيق الوحدة هي الإقناع أولا والتذكير بمتطلبات الإيمان والجهاد لقد كلفته حملات التوعية جهودًا كبيرة لأن أكثر القبائل كانت قد اعتادت حياة الاستقلال ولم تألف الخضوع لسلطة مركزية قوية بفضل إيمانه القوي انضمت اليه قبائل كثيرة بدون أن يطلق رصاصة واحدة لإخضاعها بل كانت بلاغته وحجته كافيتين ليفهم الناس أهدافه في تحقيق الوحدة ومحاربة العدو لكن عندما لا ينفع أسلوب التذكير والإقناع يشهر سيفه ضدّ من يخرج عن صفوف المسلمين أو يساعد العدوّ لتفكيك المسلمين
وقد استصدر الأمير فتوى من العلماء تساعده في محاربة أعداء الدّين والوطن.
لقد قام الأمير بإصلاحات اجتماعية كثيرةفقد حارب الفساد الخلقي بشدّة ومنع الخمر والميسر منعًا باتا ومنع التدخين ليبعد المجتمع عن التبذير كما منع استعمال الذهب والفضة للرّجال لأنّه كان يكره حياة البذخ والميوعة.
كان الأمير يرمي إلى هدفين تكوين جيش منظم وتأسيس دولة موحّدة وكان مساعدوه في هذه المهمة مخلصون ،لقد بذل الأمير وأعوانه جهدًا كبيرا لاستتباب الأمن فبفضل نظام الشرطة الذي أنشأه قُضِي على قُطّاع الطرق الذين كانوا يهجمون على المسافرين ويتعدّون على الحرمات
فأصبح الناس يتنقّلون في أمان وانعدمت السرقات قسّم الأمير التراب الوطني إلى ثمان مقاطعات هي مليانة، معسكر، تلمسان، الأغواط، المدية، برج بوعريريج، برج حمزة ،البويرة، بسكرة، سطيف).
كما أنشأ مصانع للأسلحة وبنى الحصون والقلاع (تاقدمت، معسكر، سعيدة).
ولقد شكل الأمير وزارته التي كانت تتكون من خمس وزارات وجعل مدينة معسكر مقرّا لها واختار أفضل الرجال ممّن تميّزهم الكفاءة العلمية والمهارة السياسية إلى جانب فضائلهم الخُلُقِية ونظّم ميزانية الدولة وفق مبدأ الزكاة لتغطية نفقات الجهاد
كما اختار رموز العلم الوطني وشعار للدولة (نصر من الله وفتح قريب).
وكان أحمد بن سالم خليفة على «مقاطعة الجبال» ضمن هذه المقاطعات الثمانية في دولة الأمير عبد القادر الجزائري.
قاد عبد القادر ووالده حملة مقاومة عنيفة ضدها فبايعه الأهالي بالإمارة عام ١٨٣٢م عمل عبد القادر على تنظيم المُجاهدين وإعداد الأهالي وتحفيزهم لمقاومة الاستعمار حتى استقر له الأمر وقويت شوكته فألحق بالفرنسيين الهزيمة تلو الأخرى مما اضطر فرنسا إلى أن توقع معه معاهده معترفة بسلطته غرب الجزائر لكن السلطات الفرنسية لم تلتزم بتلك المعاهدة
في هذه الظروف القاتمة فلقد وحَّد الجزائري صفوف القبائل تحت إمرته وشرع بالنضال لطرد الغزاة فأذاق الفرنسين الويلات وكبدهم الخسائر الفادحة.
في معركة “المقطع” سنة ١٨٣٥ م أستمر الأمير عبد القادر في تكبيد الفرنسيين ألوان الهزائم اضطرت فرنسا إلى عقد اتفاقية هدنة معه وهي اتفاقيه دى ميشيل وبمقتضى هذه الاتفاقية اعترفت فرنسا بدولة الأمير عبد القادر
وبدأ الأمير يتجه إلى أحوال البلاد ينظم شؤونها ويعمرها ويطورها وقد نجح الأمير في تأمين بلاده إلى الدرجة التي عبر عنها الفرنسين بقولهم «يستطيع الطفل أن يطوف ملكه منفردًا على رأسه تاج من ذهب دون أن يصيبه أذى». وكان الأمير قد أنشأ عاصمة متنقلة متطورة سميت الزمالة وكان قد أسّس قبلها عاصمة وذلك بعد غزو الجيش الفرنسي لمدينة معسكر في الحملة التي قادها كلوزيل. وضع الأمير خطة تقضي بالانسحاب إلى أطراف الصحراء لإقامة آخر خطوطه الدفاعية وهناك شيد العاصمة الصحراوية تكدمت،وبدأ العمل فيها بإقامة ثلاثة حصون عسكرية ثم أعقبها بالمباني والمرافق المدنية والمساجد وهناك وضع أموال الدولة التي صارت في مأمن من غوائل الغزاة ومفاجآتهم وقد جلب إليها الأمير سكانا من مختلف المناطق من الكلغوليين وسكان أرزيو ومستغانم ومسرغين والمدية.
وقبل أن يمر عام على الاتفاقية نقض القائد الفرنسي الهدنة وناصره في هذه المرة بعض القبائل في مواجهة الأمير عبد القادر.فنادى الأمير في قومه بالجهاد ونظم الجميع صفوف القتال وكانت المعارك الأولى رسالة قوية لفرنسا وخاصة موقعة المقطع ،حيث نزلت بالقوات الفرنسية هزائم قضت على قوتها الضاربة تحت قيادة «تريزيل» الحاكم الفرنسي.
ولكن فرنسا أرادت الانتقام فأرسلت قوات جديدة وقيادة جديدة واستطاعت القوات الفرنسية دخول عاصمة الأمير مدينة «معسكر» وأحرقتها ولولا
مطر غزير أرسله الله في هذا اليوم ما بقى فيها حجر على حجر ،الأمر الذي اضطره إلى الاصطدام بهم مرة أخرى
ولكن الأمير استطاع تحقيق مجموعة من الانتصارات دفعت فرنسا لتغيير القيادة من جديد ليأتي القائد الفرنسي الماكر الجنرال «بيجو» ولكن الأمير نجح في إحراز نصر على القائد الجديد في منطقة «وادي تافنة» أجبرت القائد الفرنسي على عقد معاهدة هدنة جديدة عُرفت باسم «معاهدة تافنة» في عام ١٨٣٧م.
وعاد الأمير لإصلاح حال بلاده وترميم ما أحدثته المعارك بالحصون والقلاع وتنظيم شؤون البلاد مما أتاح لعبد القادر الفرصة لتقوية منطقة نفوذه وتحصين المدن وتنظيم القوات وبث الروح الوطنية في الأهالي
والقضاء على الخونة والمتعاونين مع الاستعمار لكن سرعان ما خرق الفرنسيين المعاهدة من جديد
وفي نفس الوقت كان القائد الفرنسي «بيجو» يستعد بجيوش جديدة ويكرر الفرنسيون نقض المعاهدة في عام ١٨٣٩م ولجأ القائد الفرنسي إلى الوحشية في هجومه على المدنيين العزل فقتل النساء والأطفال والشيوخ وحرق القرى والمدن التي تساند الأمير واستطاع القائد الفرنسي أن يحقق عدة انتصارات على الأمير عبد القادر
فاشتبك معهم عبد القادر ورجاله أواخر عام١٨٣٩ م فدفعت فرنسا بالقائد الفرنسي (بيجو) لتولي الأمور في الجزائر فعمل على السيطرة على الوضع باتباع سياسة الأرض المحروقة،فدمر المدن وأحرق المحاصيل وأهلك الدواب إلا أن الأمير ورفاقه استطاعوا الصمود أمام تلك الحملة الشعواء مُحققين عدة انتصارات، واضطر الأمير إلى اللجوء إلى بلاد المغرب الأقصى وهدد الفرنسيون السلطان المغربي ولم يستجب السلطان لتهديدهم في أول الأمر وساند الأمير في حركته من أجل استرداد وطنه
ولكن الفرنسين ضربوا طنجة وبوغادور بالقنابل من البحر وتحت وطأة الهجوم الفرنسي يضطر السلطان إلى توقيع معاهدة لالة مغنية وعدم مساعدة الأمير من المغرب الأقصى. مستعينين في ذلك بالمساعدات والإمدادات المغربية لهم لذا عملت فرنسا على تحييد المغرب وإخراجه من حلبة الصراع فأجبرت المولى عبد الرحمن سلطان المغرب على توقيع اتفاقيه تعهد فيها بعدم مساعدة الجزائريين والقبض على الأمير عبد القادر وتسليمه للسلطات الفرنسية حال التجائه للأراضي المغربية.
كان لتحييد المغرب ووقف مساعداته للمجاهدين الجزائريين دور كبير في إضعاف قوات الأمير عبد القادر الأمر الذي حد من حركة قواته ورجح كفة القوات الفرنسية فلما نفد ما لدى الأمير من إمكانيات لم يبق أمامه سوى الاستسلام حقناً لدماء من تبقى من المجاهدين والأهالي من بطش الفرنسين. استسلام الأمير عبد القادر يوم الثلاث والعشرون من ديسمبر عام١٨٤٧م من قبل القائد الفرنسى أوغسطين ريجيس، أصبح الأمير عبد القادر الجزائري عظيمًا من عظماء الإنسانية، فعندما اندلعت فتنة دامية بين المسلمين والنصارى في دمشق ويا للعجب ،قام الأمير الجزائري بحماية النصارى وإيوائهم في بيته على الرغم مما فعله النصارى الفرنسيون بالمسلمين في أرضه وتجنيباً لهم من طغيان الفرنسين ،وفي ديسمبر ١٨٤٧م اقتيد عبد القادر إلى أحد السجون بفرنسا وفي بداية الخمسينات أفرج عنه شريطة ألا يعود إلى الجزائر فسافر إلى تركيا ومنها إلى دمشق عام ١٨٥٥ م استغلت فرنسا فرصة غيابه وحولت الجزائر إلى مقاطعة فرنسية بعد أن منعت فيها المحاكم الإسلامية وقامت بطمس اللغة العربية واستبدالها باللغة الفرنسية وفي ظل هذا الوضع القاتم وهذه الظروف السيئة التي دعت إلى اليأس وعندما اطمأنت فرنسا أنها أنهت الإسلام في الجزائر وأنست الناس لغتهم الأم اللغه العربيه
عندما وصل الأمير وعائلته وأعوانه إلى دمشق أسس ما عرف برباط المغاربة في حي السويقة وهو حي ما زال موجوداً إلى اليوم وسرعان ما أصبح ذا مكانة بين علماء ووجهاء الشام
وقام بالتدريس في المدرسة الأشرفية ثم الجامع الأموي الذي كان أكبر مدرسة دينية في دمشق آنذاك سافر الأمير للحج ثم عاد ليتفرغ للعبادة والعلم والأعمال الخيرية وفي مايو ١٨٨٣م توفي الأمير عبد القادر الجزائري ودفن في سوريا ،قال عنه رئيس وزراء بريطانيا ويليام كلادستون حاولت بكل ماأملك أن أقنع الأمير السيد عبد القادر الجزائري بمنصب إمبراطور العرب لكي نوظفه ونستغله ضد العثمانيين وبالرغم من العداء الشديد الذي كان بينه وبين الأتراك فإنني لم أفلح بالرغم من كل الإغراءات والوعود والمزايا التي وضعتها فوق الطاولة للأمير بما فيها استقلال الجزائر وخروج المحتل الفرنسي من الجزائر لكنه كان يرفض ذلك جملة وتفصيلا ومن دون نقاش حتى دخلني اليأس أن العرب لا يمكن توظيفهم واستغلالهم واستعمالهم ولكن آخر كلمة أثرت في مسامعي وبقيت تدوي في عقلي وأخبرني أن أنقلها إلى الفرنسيين، أن الجزائر ستتحرر وتنال استقلالها من دون معروف وبركة طرف أجنبي ولن تجد جزائريا بعدي ولا قبلي سيقبل أن يكون خادما عندكم أو وكيلا لمخططاتكم وسيكون استقلال الجزائر العائق الذي لا تطيقونه لعقود من الزمن ومن أرضنا ستتعثر مشاريعكم. فلست بحاجة لأن أكون ملكا أو إمبراطورا أو سلطانا فما يهمني بالدرجة الأولى هو أن أواجه المحتل الفرنسي وتغلغلكم في البلاد الإسلامية وفي نفس الوقت الخلافة الفاسدة التي تستعمل الدين لتحقيق أطماعهم الشخصية الفاسد
لم يكن جهاد الأمير عبد القادر ضد قوى الاستعمار بالجزائر هو كل رصيده الإنساني ،فهو يستحق أن يُصنف من بين أفضل الرجال العظماء القلائل في هذا القرن فقد ترك العديد من المؤلفات القيمة ترجمت إلى عدة لغات
وعقب حصول الجزائر على الاستقلال تم نقل رفاته إلى الجزائر بعد حوالي قرن قضاه خارج بلاده وفي الثالث من أبريل عام ٢٠٠٦ م افتتحت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بجنيف معرضاً خاصاً للأمير في جنيف إحياءً لذكراه كما شرعت سورية في ترميم وإعداد منزله في دمشق ليكون متحفاً يُجسد تجربته الجهادية من أجل استقلال بلاده.