التفاؤل ينبوع السعادة

 

د. عادل المراغي| أكاديمي وأديب مصري
إن المتفائل يري أشجار الحديقة تتراقص طربا ،والمتشائم يراها تتآمر وتشتعل عليه نارا ،المتفائل يري في كل بلية عطية وهدية. والمتشائم يري في كل عطية بلية.
فلو رآها تقي ظنها عدنا
ولو رآها شقي ظنها سقرا
دائماً ما أدندن بهذه العبارات في كل واد وفي كل ناد لأن التفاؤل يحيي النفوس الميتة كما تحيا الأرض الميتة بوابل السماء. فهو روح الروح وقلب القلب وعين العين.
والرجاء في الله خير مأمول وهو عندنا عقيدة تلتف عليها حنايا القلب، كلما هممنا باليأس وهمَّ بنا جاءنا البرهان {لا تقنطوا من رحمة الله}
( ولا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )
(وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ )
فكان كغيث بدر يُذهب عنا وساوس الشيطان وتثبُتَ به الأقدام.
الأمل عندنا بنيناه على سنن ربانية تقضي بأنْ يعقب العسرَ يسرٌ، فكل يوم هو في شأن، والأيام دُول، وبين عشية وضحاها تقوم حضارات وتندثر أخرى.
من قلب الخندق وفي ظل زلزلة القلوب وتربص الأعداء وسطوة البرد والجوع والخوف كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشّر بالفتح المبين.
وكل الحادثات وإن تناهت
فموصول بها الفرج القريب.
وصناعة الأمل تعتمد على سجلات التاريخ، والتاريخ علمنا أننا أمة تمرض ولا تموت، وما نراه اليوم قارعة الدهر لا يضاهي في شدته المحن والأزمات التي ألمَّت بنا على مر القرون، وفي كل مرة تخرج الأمة منها أشد قوة، فالضربة التي لا تقصم الظهر تقويه.
ولقد كان التفاؤل من دأب نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتدل أحاديث كثيرة على أنه صلى الله عليه وسلم ـ كان يغتنم كل مؤشر يتيح شيئاً من التفاؤل حتى يشرحه لأصحابه .
إن أعظم ما في التفاؤل أنه يشير دائماً إلى وجود فرصة لعمل شيء أفضل وأجود ، وإذا تأملنا في أحوال المتفائلين ، فإننا نجد أنهم ينقسمون أيضاً إلى فريقين: فريق يتحدث عن التفاؤل ، ويطرب لسماع كل ما يشير إليه ، وفريق يصنع التفاؤل ، أي يسهم في تقدم الحياة العامة وازدهار معاني النبل والفضيلة ، وكما أننا نجد في صناعة الأشياء من يصنع الإبر والكؤوس والأقلام …. ويصنع السفن والطائرات كذلك تجد الأبطال العظام الذين يبثون روح التفاؤل في جيل بأكمله ، وتجد من يساعد ولده على أن يكون متفائلاً ،ونحن اليوم في حاجة إلى الرواد الكبار الذين يجعلون من الإنجازات الملموسة منابع ثَرَّة للشعور بأننا في خير وإلى خير، كما أننا في حاجة أيضاً إلى من ينشر روح التفاؤل من خلال أصغر الأعمال الإيجابية ، حيث لا يأتي بالأمل إلا العمل . أما المتفرجون على ما يرون والذين يفرحون بانتصارات لم يخوضوا معاركها ، فإن عليهم أن يعيدوا حساباتهم ، لعلهم يعثرون على وسيلة تنقلهم من دائرة البطالة إلى دائرة الفعل.
تقول الحكمة: «لا تنظر إلى نصف الكوب الفارغ وانظر إلى نصف الكوب الممتلئ»، لكن المتشائم سيؤكد أن الكوب جف فيه الماء، لا عليك يا قَنُوط، فقطرات الندى كفيلة بملئه، فقط حرِّك قدميك تجاه الأغصان في البكور، وهذا هو الأمل الذي نعنيه ، أمل يدفع للحركة لا للسكون.
صناعة الأمل مسؤولية فردية واجتماعية، تستوجب أن تكون أسلوب حياة، من دون التعلل بضغط الواقع وعجز الثقات وسدور الأمين وعزم المريب.
ليت حياتنا كعدسات الكاميرا، تقع على همسات ضاحكة على أسرّة المرض، على أنغام التفاؤل تجري على فم بائع الألبان، على تلك التجاعيد التي بعثرتها بسمة عجوز احدودب ظهرها وهي تبدأ صباحها بـ«بسم الله».
اليأس سيقتلنا مرات ومرات والواقع كما هو، فلنجرب أن نعيش على أمل يروي حياتنا، يهيئ الأنفس للعمل، فلنترك أنوفنا تشتم رائحة الغد الأفضل، على طريقة يعقوب، إذ وجد في القميص ريحَ يوسف، فلم ينقطع منه أمل اللقاء (عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً)
( طرق لصناعة التفاؤل)
هناك أساليب وطرق لصناعة التفاؤل منها:
أولا: أن تكون طريقة تفكيرك إيجابية ،فكن دائما مفكرا بطريقة إيجابية وقاوم الأفكار السلبية بأفكار إيجابية وسليمة. صاحب التفكير التفاؤلي بعيد عن الاكتئاب والتوتر والعدوانية, هو قادر على تحويل المواقف أياً كانت الى مواقف إيجابية, فمثلا: لوضاع منه مفتاح البيت يقول لنفسه: لعله خير, فقد أجده في مكان آخر أو يجعله يتصل بأهله فيطمئن عليهم ويجده عندهم .
ثانيا: مارس القراءة التفاؤلية، وهي في اعتقادي من أهم الاساليب لصناعة التفاؤل وذلك من خلال الابتعاد وبالمطلق عن كل الأخبار المقروءة السلبية، والتي تدعوا الى التشاؤم وقراءة فقط الكتب أو الافكار أو حتى التعليقات الإيجابية فهي تشعرك بالتفاؤل وتجعل عقلك اللاواعي مركزا عليها.
ثالثا: كن مع أصدقاء يمارسون التفاؤل فالصاحب ساحب والطيور علي أشكالها تقع وأخلاق المتشائمين تعدي،كما قال بعض العلماء‏ (إذا صاحبت في الدنيا فصاحب الطيبين فإنهم إذا غبت عنهم (فقدوك) وإذا غفلت(نبهوك)
وإذا دعوا لأنفسهم(لم ينسوك)
هم كالنجوم إذا ضلت سفينتك في بحر الحياة (أرشدوك)
وغدا تحت عرش الرحمن(ينتظروك )
ألا يكفيك أنهم في الله” (أحبوك).
ولله در ابن عطاء الله السكندري حيث قال: (‏ أعلم أن المجانسة تكون بالمجالسة ،إن جلست مع المسرور سُرِرت ،وإن رافقت الغافلين غفلت ،وإن جلست مع الذاكرين ذكرت ،وإن صاحبت النائمين نمت ،وإن صاحبت أموات الدين يمت دينك في قلبك (أمواتٌ غَيرُ أَحيَاء).
فلذلك قيل لمريم ( واركعِي مع الراكعِين )
فالأصدقاء لهم أثر كبير على الشخص، فقد أثبتت كافة الدراسات التي تعنى بالموضوع أن للأصدقاء أثر كبير في تفكير الشخص إيجابيا أو سلبياً،فالأصدقاء هم أصحاب التأثير الأكبر على الإنسان فليكن لديك أصدقاء متفائلين وإيجابيين وكما جاء في الحديث الشريف ” المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخَالِل” ومعناه انتقُوا واختاروا من تتخذونَه خليلًا أي صَديقًا، من كان ينفعُكم لدينِكم فعليكُم بِمصادقتِه ومَن لا ينفعُكم في دينِكم بل يضرُّكم فابتعدوا عنهُ، أي لا تصادقوهُ . الإنسانُ يَهلك من طريقِ الأصدقاءِ الأشرارِ. والصديق الحقيق هو الذي يساعدك على صناعة جو التفاؤل في كل الأمور والمساند لك في الحياة رغم كثرة الصعاب فهو دوما متفائل معك ويشعرك بالتفاؤل
والتفاؤل هو أقصر الطرق للشعور بالسعادة، فمن أسباب السعادة أن تملك عينا تري الأجمل وقلبا يغفر الأسوء وعقلا يفكر في الأفضل وروحا يحدوها الأمل وهمة يصحبها العمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى