ينابيع السعادة وصناعة الأمل

دكتور عادل المراغي| أكاديمي وأديب مصري
إن القرآن الكريم زاخر بمقومات صناعة الأمل والتفاؤل،ونحن في أمس الحاجة إلى الرجوع إلى الله واستلهام هذه المعاني السامية ونشرها في هذا الوقت العصيب من تاريخ الإنسانية. وقت نزول البلاء وحلول الداء وقلة الرجاء،وتكالب الأعداء،وقت الهزائم النفسية العاصفة القاصفة،
ومن الآيات التي تبث الأمن والسكينة والطمأنينة في النفوس، قول الله تعالى: (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) وقوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) أي تسكن وتستأنس بجلال الله فتطمئن، ومن ثم يزول قلقها واضطرابها.
ومن العجيب أن هذه الآية الكريمة قد وردت في سورة الرعد، والرعد مخيف مقلق، لكن الآية جاءت لتبث الأمل والطمأنينة في قلوب الذاكرين.
وجاءت الآية بعدها تفتح آفاقا عراضا من الأمل بل تفتح الباب علي مصراعيه قال تعالي:(أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا) ومعني أفلم ييأس أي (أفلم يعلم) في لغة النخع كما قال ابن عباس
ومن اللافت للنظر أن هذه الآيات جاءت بعد سورة يوسف، تلكم السورة التي نصبت ميزان التفاؤل ورفعت لواء الأمل.
فمن التفاؤل أن نتوقعُ الشفاءِ عند المرض، والنجاح عند الفشل، والنصر عند الهزيمة، والفرج عند الكرب، وانقشاع الغمة عند المصائب والنوازل، والاجتماع بعد الفرقة، والحرية بعد السجن والبراءة بعد الاتهام .
قَد يَجمَعُ اللَهُ الشَتيتَينِ بَعدَما
يَظُنّانِ كُلَّ الظَنِّ أَن لا تَلاقِيا
ومن صفات المؤمن المقبل على ربه المرتبط بمشيئته، أن يكون شعاره ودثاره:
لا تخف من أي شيء روعك..
كن مع اللهِ يكن ربى معك،
وإذا نابك كربٌ فاصطبر …
وادعو مولاك وجفف أدمُعك،
ما لنا إلا إلهٌ واحدٌ …
فاسأل الكون وقل مَن أبدعك، واسأل الحمل جنينا في الحشى .
مَن رعاك الآن مَن ذا أشبعك، واسأل البدر مضيئا في الدجى
باعثا أنواره ما أروعك،
واسأل الشطآن عن أمواجها
واسأل البحر أتدري منبعك،
واسأل الصبح تجلى مسفرا… بعد ليل حالك من أطلعك
واسأل سل رسول الله قل يا مصطفى …
يا شفيع الخلق من قد شفعك
إنه ربي إله واحد …
كن مع الله يكن ربى معك
والأمل يمثل استشراف الإنسان للمستقبل في قضاياه كلّها، إنْ في عمره أو حاجاته أو حركته أو أهدافه أو تطلعاته كلّها؛ لأنّ الإنسان لو تجمَّد في دائرة اللحظة التي يعيش فيها والظروف التي تحيط به، لانقضى عمره في لحظته؛ لأنّه يتصوّر أنّ هذه اللحظة هي عمره كلّه، عندما لا يكون له أملٌ في الامتداد ،ولو انعدم الأمل لمات الناس موتا معنويا،لأن التفاؤل والأمل هو الحادي الذي يحدو الركب بل ويحدو الأرواح إلي بلاد الأفراح
قال الطغرائي:
أعلّل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى