مابين اللغتين اللفظية واللسانية
مجدي نصار | القاهرة
شاهد فيلمًا أجنبيًا غير مترجم، ليكن صينيًّا أو كوبيًّا أو حتى عبريًّا أو من أي ثقافة، ستشاهد بالطبع صورة وتسمع صوتًا، سترى تفاعلات وحياة وتسمع إيقاعات الكلام والحركات والموسيقى المصاحبة لهما. لن تفهم اللفظ لكنك بمتابعة الحياة الفيلمية ستحب أناس وتكره آخرين، ستؤيد أفعالًا وتستنكر أخرى، ستفرح وتحزن، قد ترقص وقد تبكي. كيف هذا وأنت لا علم لك بما يقال؟ لا دراية لك بالكلمة، باللفظ، بالعبارة؟ كيف إذن تماهيت مع تلك الحياة؟
لقد استقرت في أذنيك أصوات مبهمة (اللغة اللسانية) وأصوات واضحة (اللغة الموسيقية) لكنما استقرت في قلبك (معانٍ)؟ هل جاءت المعاني من الكلام وحده؟!
يقول أحدهم لك (أحبك) ولا يميل قلبك نحوه قيد أنملة. ويقول آخر (أنا معك) فيلمس شغاف قلبك بحنو. لم تتأثر بالكلمة، لكنك تأثرت بما وراءها وحولها، تأثرت بالمضامين، بالمعنى الذي هو تصورك الذهني واستيعابك الحسي للغة. يقول هذا (أحبك) بعيون لا خبر فيها وقلب غليظ ويقول ذاك (أكرهك) بحرص كبير وقلب يخفق وغضب منك ممزوج بحسرة عليك.
قيل أن الكلمة يد ورجل وباب. حسنًا، هو كذلك. لكن المعنى .. المعنى حياة.
يقول مخالف لك في الفكر والعقيدة والثقافة كلمة ما، تسري في أوصالك طمأنينة غريبة ومريحة ويقول مشارك لك في كل شىء كلمة أخرى فترتعد أرجاؤك خوفًا. إنه المعنى، لا الكلمة.
تجمعنا اللغة (اللفظة) في الأوراق والجوار الجغرافي والحيز الزمكاني، ويجمعنا المعنى لو ابتعدنا في المكان مجرات خلف مجرات أو في الزمان حقبا وراء حقب. تتفق في عامك هذا مع (هابيل) وتتوجس في آنك هذا من ذكر (قابيل). إنه المعنى _ الفعل والنية وكل ما وراء الكلمة وما حولها وما أثر فيها ودفعها للخروج _ هو ما يجمعك بالآخر أو يفصلك عنه.
يقول محمد منير بلسان (مجدي نجيب) في أغنية (ممكن): (اشمعنى المعنى بيعرفني لو باتت في قلوبنا جراح؟) لم يقل الكلمة أو اللفظ، قال المعنى، الذي هو صورة وإنسان كامل وانطباع شامل وليس مجرد كلمة تصدر عن فم وتستقبلها أذن وتدور في الفضاء.
الكلمة مصدرها اللسان ومستقرها الأذن .. والمعنى محله الجوارح ومستقره القلب.