ينابيع البشرى في سورة الطلاق

الدكتور عادل المراغي| أكاديمي وأديب مصري..
على الرغم من أن إسم السورة “الطلاق” يوحي بأنها سورة تشريعية ج نزلتاءت لتحديد المبادئ العامة للحياة الزوجية في حالة أن تكون قائمة وكذلك الآداب التي يجب أن يتبعها الزوجين في الخلاف وأخيرًا تشريع الطلاق في حالة استحالة العشرة، إلا أن هذه السورة تحمل مفاتيح الفرج والفرح وتفتح منافذ الرجاء وتزرع حدائق الأمل وتغرس أشجار التفاؤل ،وهذا الجانب قد يكون خفيا أو غير واضح لكثير من عوام الناس، وهذه السورة تحمل الكثير من أيات التفاؤل والتحفيز على التثبيت لذلك أسميها بسورة التفاؤل والأمل،بل و أطلق عليها سورة البشرى.
فعلى الرغم من قصرها إلا أنها حشدت عدداً من البُشْرَيَات لكل مغموم ومهموم ومكروب ومريض ومحزون ومسجون وفقير ومظلوم، تسوق البشرى لكل زواج فاشل أو مرض عضال أو صراع نفسي أو خسارة مالية أوجائحة عمت وطمت وعصفت وقصفت.
ولو أننا عشنا في أفياء هذه السورة وتفيأنا ظلالها
الوارفة،لوجدنا أنها تحمل ست طاقات وباقات من باقات الأمل ومن هذه الباقات والبُشْرَيات:

١-( لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)
وهنا يخبرنا الله عز وجل أنه مهما تشتد بك الشدائد وتتناولك الخطوب فلا تيأس ولا تحزن فأنت لا تدري ماذا يحمل لك الغد من أخبار قد تغير من هذا الواقع المؤلم الذي تعيشه ، فأنت لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فقط اصبر واحتسب.

٢– (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وهذه أرجى آية في كتاب الله عند جمهور المفسرين.
فقط إلزم تقوى الله في كل ما تفعل أو تقول وانتظر الفرج من بعد الضيق فالله وحده هو الذي يرزقك من حيث لا تحتسب، وهذه بشرى لكل مسلم ومسلمة تدعوهم للتفاؤل فالله الكريم يرزق من حيث لا تحتسب.

٣- (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ)
فالتوكل على الله هو غاية الاعتراف والتسليم بقدرته عز وجل على التصرف في كل شيء بما ينفعك ولا يضرك ، فالخالق سبحانه وتعالى هو مدبر الكون يعلم ما تخفي الأنفس وما تخفي الصدور، ويعلم ما هو صالح لك لذلك توكل على الله {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}فسبحانه جعل لكل شيء قدراً وجعل لكل قدر أجلاً وجعل لكل أجل كتاباً،يعلم ماكان وما يكون ومالم يكن لو كان كيف يكون ،يعلم دبيب النملة السوداء علي الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.
يا من يرى مَدَّ البعوض جناحها..
في ظلمة الليل البَهيم الأليَلِ
ويرى نياطَ عُرُوقِها في نحرها..
والمخَّ في تلك العظام النُحَّلِ
ويرى ويسمع كلَّ ما هو دون ذا..
في قَعْرِ بَحْرٍ زاخر أو جَنْدَل
ما إن يغادره فلا يخفي له
من خلقه مثقال حبة خردل
امنن علىَّ بنظرة أحيا بها
كانت قديما في الزمان الأول
٣-(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً).

وهذه دعوة صريحة في السورة إلي من ضاقت به السبل وانقطعت به الحيل ، فالطلاق ليس مشكلة بل ربما يكون حلا أحياناً لمشكلة، وقد يكون الطلاق بداية الإنطلاق في حياة أسرة خيم عليها الهم وعصفت بها الأحزان وأصبحت حياتها يائسة بائسة.

٤- (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)
وهي دعوة مفتوحة لأصحاب الذنوب والمعاصي مهما بلغت عنان السماء فباب التوبة مفتوح على مصراعيه لا يغلق إلا في ساعة الإحتضار أو إذا طلعت الشمس من مغربها، فقط إتق الله وابتعد عن خطوات الشيطان يكفر عنك رب العزة جميع سيئاتك، وليس هذا فقط ولكنه يعظم أجرك أي يؤتك الأجر الوفير العظيم على توبتك.

٥-(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا)
فالله تعالى يحاسب العبد على ما يأتي من أفعال ويكلف كل نفس ما تطيق على قدر استطاعتها يقول الإمام الطبري (لا يكلف الله أحدًا من النفقة على من تلزمه نفقته بالقرابة والرحم إلا ما أعطاه، إن كان ذا سعة فمن سعته، وإن كان مقدورًا عن رزقه فمما رزقه الله على قدر طاقته، لا يُكلف الفقير نفقة الغنيّ، ولا أحد من خلقه إلا فرضه الذي أوجبه عليه).

٦- (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)
إحدى البشارات التي تحملها السورة فالله يجعل بعد العسرِ والضيقِ اليسرَ والفرج، فهو الرحمن الرحيم بعباده اللطيف بهم الخبير بحالهم، كتب على نفسه الرحمة، فلا تحزن ولا تبتأس واجعل ثقتك في رب الأرباب ، فلا عسر إلا ويأتي بعده اليسر ولن يغلب عسر يسرين وهذا وعد الله ولن يخلف الله وعده.
فحينما يداهمنا الكرب ويهم بنا الهم ويدلهم الخطب ويتعاظم البلاء وينتشر الوباء ويشتد الظلام يكون فجر الفرج علي موعد كي يطارد الهموم علي رؤوس الجبال وبطون الأودية،
وهو يصرخ فيك بأعلي صوته (إياك أن تلقي الراية أو تستسلم) فها أنا ذا ولدت من أقاصي اليأس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى