النصيحة.. حكاية شعبية يكتبها: جميل السلحوت
روى أنه كان لأحد شيوخ القبائل البدوية في فلسطين ولد ذكر وحيد، وقد عاش هذا الولد في رفاهية ودلال حتى كبر، ولم يكن به من خشونة البدو شيء، مما خيب آمال والده الذي كان يحلم بأن إبنه سيخلفه في زعامة القبيلة وقيادتها .
وفي أحد الأيام قرر الوالد أن يزوج ابنه على أمل أن يشعر بالمسؤولية بعد الزواج وعسى أن تصلح الزوجة من أمره، فزوجه من إحدى بنات وجوه العشيرة، ولما مضى على زواجه أكثر من ثلاثة شهور لم يتغير من طباعه الرديئة أي شيء، فأقسم والده على طرده من مضارب القبيلة بعد أن أشبعه ضرباً، فخرج الولد هائماً على وجهه، وسار جنوباً الى أن وصل إحدى القبائل البدوية في سيناء، وحل ضيفاً على شيخها الذي لم يكن له ولد حيث كان عاقراً. فعرض الشيخ على ضيفه الشاب أن يقوم برعاية أغنامه مقابل عشرين حملاً في السنة، ووافق الضيف على ذلك خصوصاً بعد الحنان الذي وجده عند مضيفه، وبعد عشر سنوات قرر الراعي أن يعود الى أهله، فجمع أجرته من الغنم، واذا بها تزيد على الخمسمائة رأساً بعد أن تكاثرت، ولما ودع مضيفه وأرباب عمله، سار في طريقه عائداً الى أهله، غير أن شيخ قبيلة سيناء لاحظ أن الرجل لا يزال “جاهلاً” وخشى أن يصادفه اللصوص ويأخذوا أغنامه منه بعد أن يقتلوه، فلحق به وقال له: سأنصحك ثلاث نصائح تفيدك كثيراً في حياتك، وسأعطيك بندقية وفرساً شريطة أن تعطيني أغنامك كلها، فوافق الشاب بعد تردد .
وكانت النصائح كالتالي :
1- أن لا يثق بإنسان اذا كانت عيونه زرقاء وأسنانه فرقاء وخدوده برقاء .
2- أن لاينام في واد لا يعرف من أين يأتي أوله.
3- أن ينام على ضيم ولا يقوم على همّ .
حفظ الشاب النصائح وسار في طريقه، وبعد مسيرة يوم صادف رجلاً تنطبق عليه المواصفات الموجودة في النصيحة الأولى، وعرض الرجل على الشاب أن يرافقه في طريقه فوافق، وعند المساء أرادا أن يناما، وكانا يسيران في واد سحيق، فقال الشاب للرجل الغريب دعنا نبتعد عن هذا الوادي الى بطن الجبل وننام فخرجا وناما، أما الرجل فقد تظاهر بالنوم، وأخذ يراقب صاحبه واذا به يستل سيفه ويريد أن يقتله، ليسرق فرسه وبندقيته، غير أن الرجل شاهده وأطلق عليه النار قبل أن يصله وأرداه قتيلاً، ونام ليلته، وفي الصباح استيقظ واذا بالوادي قد جرفته الأمطار التي تساقطت على مناطق بعيده عنه، فسار مع الوادي، فاذا به يجد كيساً مليئاً بالذهب كان لتجار ناموا بالوادي فجرفتهم المياه، فحمل فرسه بالذهب وواصل السير، وبعد مدة وصل أهله ليلاً، فأخذ يراقب الخيام المضيئة علـّه يرى بيت زوجته، وكم كانت دهشته شديده عندما رأى زوجته بخيمة قرب خيمة أبيه، وقد انبطح أمامها شاب يضع رأسه على فخذيها، فظن أنه عشيق لها، وهمّ أن يقتلها وإياه في الحال، غير أنه تذكر النصيحة الثالثة فنام مهموماً، وفي الصباح ذهب الى بيته ليجد أن الشاب ابنه، حيث أنه ترك زوجته حاملاً، ولما رآه والده محملاً بالذهب سأله عن سر ذلك، فأخبره بما جرى له وعن نصيحة شيخ قبيلة سيناء له، فقرر الوالد أن يحمل الهدايا الثمينة لشيخ القبيلة عرفاناً منه بفائدة نصائحه لولده، ولما وصل هناك أعطاه الشيخ أجرة ولده، وأخبره أنه لا يريد منه شيئاً وأنه أخذ الغنم من الولد خوفاً عليها من اللصوص.