شجرة كآبة

هيثم الأمين / تونس 

أرتدي جلدي دون اكسيسوارات

و أدخّن كثيرا؛

أنا لا أحبّ السّجائر و لا أشجّع على التّدخين

و لكنّي أحتاج لدخان سجائري

لأقطّب به الجرح الغائر في كفّ المسافة

فتتصافح العناوين البعيدة، دون وجع.

(دعكِ من مقبض الباب المنتصب، الباب يحتلم !)

أجلس في وحدتي بوجه خافت الضّوء

فلا شيء،

هنا/ هناك،

يحتاج ضوءً ساطعا لأراه/ ليراني.

(هل تزعجك ثرثرة النّافذة

مع نافذة بيت الجيران

و تهانيها لها بالسّتائر الجديدة؟!)

الأفكار رصاص حيْ

و ذاكرتي مسدسْ!

أسحب ذاكرتي المحشوّة

و أُطلقُ على قلبي “سيّدة الشّرفة”؛

سيّدة الشّرفة تطالع آخر أخبار الوطن و حزنها

و ترتشف قهوتها المصابة بالتوحّد

و من دخان سجائرها تصنع آلاف المشانق

و ترقص

و أنا،

برجل واحدة،

لا أصلح للرّقص

و رأسي ليست مصباحا لأشتري لها مشنقة!

(أ لا تشعرين بالحر؟!

أنا، حتما، لا أمانع في أن تفكّي أزرار قميصك!)

طلقة واحدة لا تكفي للموت! !

أصوّب ذاكرتي نحو أصابعي

و أُطلُق عليها “أمل”؛

الجدران بيضاء،

الشراشف بيضاء،

الصحون البلاستيكية و الأكواب بيضاء

و السّرير أبيض

و لكن

هل سيفقه الأمل الكسيح العالق في عنق الزّجاجة

أنّ اللون الأبيض ليس مرادفا للحزن

و أنّ كلّ أصابعي

لا تكفي، طعاما، لوحدة شرهة؟!!

(كلّاااااااااا؛

أنا… لا أحدّق في نهديك

و لكنّي،

خارج النّص،

أنتظر أن يصيرا خبزا

لأُطعم الأطفال الذين ذهبوا إلى السّماء على متن الجوع.)

طلقة ثالثة قد تكفي ليغيّروا جلدي، الذي بلا اكسيسوارات، باللّون الأبيض!

“العين الثالثة تكون في منتصف الجبين”

هكذا حدّثتني الجنيّة قبل أن يُسدل السّتار.

أُطلق “الجنيّة” على عيني الثّالثة؛

الجنيّة حزينة جدّا

لأنّ القصيدة لم تكن الطّريقة الصّحيحة لينجح الاسقاط النّجمي

و الرّجل الذي وعدها بكوخ في الجنّة

لم يكن ساحرا

و لا صائد دببة

و لم يكن حطّابا ليحتطب كلّ حزنها

و أنا

لا أملك إلّا جلدي و قصائدَ تحتلم!

(دعكِ من أخبار الوطن و من الكورونا

و انزعي، عنك، قميصك

فشفتيّ غيمتين

و جلدك،

الملفوف بعطرك الذي لا أعرف اسمه،

يصلّي من أجل المطر! !)

طلقة رابعة و ينتهي الأمر؛

أطلق “العرّافة” على كفّي

فتنزف من خطّ الحياة مسافات طويلة

و من خطّ الحظّ، تنزف عناوين مهملة

و يتساقط،

من فنجان قهوتي،

سعاة بريد، بلا أحذية، مضربون عن العمل

و أنا.. لستُ فزّاعة لتحطّ العصافير على كتفي

فتقصّ، على وحدتي، أخبار عرّافة تستوطن الغياب.

(جلدُكِ المتبّل بأحلامي

أ مازال يعرفني؟!

لو أنّكِ،

يوم أعدتِني لي،

تركتِ في جيبي رسالة كتبتِ فيها:

“أكرهك”

لكنتُ، اليوم، جثّة سعيدة!

الرّجال أيضا،

يا صورة على جدار ذاكرتي،

يصيرون أشجار كآبة و أمطارا حمضيّة

و أنا

كلّ شيء صار يؤلمني:

أبي المقعد،

الرّصاصات الأربعة،

الموتى الضّاحكون في أحلامي،

جثث الأطفال الذين لا أعرفهم و يلعبون الحجلة على صدري،

الرّجل السّكّير الذي تنبّأ بموت أخي

و لم يحزن لأجل حياتي،

أطفالي الورقيّون

الذين تسوّلت، لهم، أرحاما لتنجبهم،

الجرح الغائر في كفّ المسافة

و أنا

و أنتِ.

ابتسمي

لأبتسم ككلّ الموتى الذين نجوْا من الحياة برؤوس خفيفة! !)

هيثم الأمين تونس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى