أحاديث المخيم.. الأغنام تعرف طريقها
محمد حسين أبو حسن | كاتب فلسطيني – دمشق
النهار يغفو قليلا في حضن الغروب، يخبره عن يومه المبلل من عرق الناس، قرص الشمس الساقط خلف الأفق يمسد شعر النهار، يحدثه عن حكاياته المعهودة لينام دون ضجيج ، جريد راعي الأغنام في المخيم يتأمل وجه الغروب… يطلق ألحان شبابته كأنه يريد أن ينضم إلى تلك المحاورة العجيبة، الليل يسدل رواقه على كل شيء ، يعود جريد إلى المخيم، يستقبله الصغار وتبدأ المشاغلة بين القطيع وجريد من جهة وبين الأطفال الذين يطاردون الغنم و الماعز من جهة أخرى ، ورغم مشاغلة الأطفال، تتوزع الأغنام على بيوت أصحابها بدون مرافق و في منظر لافت للانتباه، لا شك أنها تحفظ تفاصيل الطريق وتعرف البيت جيدا … للمكان شوق وحنين ينطبع على جدران الذاكرة ، فإذا كان كل ذلك عند القطيع فكيف هي تفاصيل المكان في ذاكرتنا …. يسأل جريد نفسه؟
ليكتشف لاحقا بعفويته مدى الحنين الذي يتحول إلى أسطورة يسكن في أرواح سكان المخيم المشتاقين لوطنهم ، يصل جريد إلى بيت أبي العبد ابو زرد ومعه القطيع المتبقي (لأبي راجح، وأبو داود، وأبو العبد) يدق الباب ،
– مرحبا يا أبا العبد لقد كان يوما شاقاً و اجمل ما فيه هو هذه ( يشير إلى شبابته)
أبو العبدابو زرد: (مبتسما) الله يعطيك العافية ،
جريد: (والله يا أبا العبد لقد سمعت حديث النهار مع الشمس الغاربة)
أبو العبد أبو زرد: مندهشا ماذا تقول؟
جريد ؛ مثلما سمعت ، كان النهار يحدث الشمس وكنت أنا أعزف على شبابتي كلما يزداد صوتها يزداد صوتهما وكلما خفضت صوتها ينخفض صوتهما ، تماما وكأنه يتهادى إلى مسامعي صوت الشاعر (الأستاذ محمود حسين مفلح) وهو ينشد مع كمنجة الأستاذ (خليل رضوان) ، وصوت الشاعر (غازي الناصر) وهو ينشد مع عزف (عادل أبو زرد) تكاد أوتار العود و أوتار الكمنجة أن تعيد لذاكرتي المثقوبة ما تبقى من تفاصيل اللحظات الجميلة ،
أبو العبد؛ يمسح بيده على رأس جريد ثم يربت على كتفه،
– يبدو أنك أصبت بضربة شمس يا جريد ، على كل حال … اترك الأغنام والماعز في مكانها واذهب للبيت … عليك بتناول كأسين من اللبن مع الثوم فهي مفيدة جدا …
في اليوم التالي يذهب أبو العبد أبو زرد عند(يحيى الخالد أبو راجح) فيجد عنده محمد أبو داوود و يبدو أن مشاكل الأغنام و الماعز واحتياجاتها هي مصب اهتمامهم وحديثهم اليومي و لا سيما انهم يملكون كمية كبيرة منها وهم ليسوا حديثي العهد في هذه المهنة التي بدأت في المخيم منذ بداية الستينات ، ابو العبد يقص عليهم ما حدثه به جريد عن تلك المحاورة العجيبة بين النهار والشمس الغاربة ،
أبو راجح : يبدو أن جريدا يهلوس من شدة التعب يا أبا العبد
أبو داوود ؛ اعتقد ذلك يجب علينا أن تجلب له راعي يساعده في هذه المهمة ، فعدد القطيع كبير ويحتاج ذلك و البارحة أتت (رايقة المحسن أم محمود ، وأم زياد رشيد أبو زرد ، وأم زياد ملحم ، وأم يوسف حمدان، وأم جمال خليفة)وطلبوا منا أن نضع عنزاتهم معنا وكل يوم طلب جديد … وقس على ذلك .. فالقطيع بإزدياد…
أبو العبد : (هذا صحيح أغلب الناس في المخيم يوجد لديها أربعة رؤوس أو أكثر من الماعز وهم بحاجة إلى اهتمام أكبر لايكفي أن يطعموهم من الطعام الزائد في البيت )
أبو داوود: (على كل حال علينا أن نساعد أكبر قدر ممكن من الناس في الاهتمام بالماعز والغنم لأن بعض الأسر تعتمد عليها في المعيشة)
جريد المستغرب من الذي سمعه ذات مساء أصبح شغوفا بالغروب ينتظره كل يوم بفارغ الصبر يعزف بشبابته ليسمع حوار آخر .تمر الأيام والشهور ولم يسمع الراعي جريد أي حوار ، فقرر هو أن يحاول محاورة شمس الغروب فبدأ يعزف على شبابته ويحاكي شمس الغروب (أيتها الشمس إني أرى علاقات عشق دافئة بين القطيع ووفاء منقطع النظير ولهفة تطفو على السطح بسرعة هائلة عندما تحتاج أحد الأغنام للمساعدة فهل تتعظ البشر من سلوك القطيع يا شمس الغروب).
شمس الغروب : أجل يا جريد في المكان الذي أنت فيه بالمخيم يوجد هكذا لأن سكانه مسكونون بالحنين …..