تمثال المرأة العربية ينهار
د. مدحت عبد الجواد | أكاديمي مصري
أكتب إليك داعيًا ، أن تعي رسالتي ، وتحذر مما يُحاك للأمة، وما يراد لها من الذل والإنكسار، وعدتك .. في مقال سابق أن أحدثك عن سبعة طرق من شأنها أن تصلح الأمة ، ولن تنهض الأمة من كبوتها، ولن تُعيد أمجادها بغير هذه الطرق، وبغير هذه الطرق سنظل نتخبط، سيظل يملك الأعداء أمرنا، وأول تلك السبل (المرأة) نعم …لعلك الآن تستخف بكلامي أو تهزأ بحديثي، وربما تنصرف عني ، فانتظر حتى تتبين الأمر، أعلم أن البعض مل طرق رجال الدين في الدعوة ، ولن أحدثك بالدين فربما أنك لست على ديني، ولكنك حتمًا تعيش معي في بيتي ومجتمعي ووطني، وتشاركني عروبتي وأهدافي وأحلامي، وتعيش آلامي وتبكي لما أصابنا من نكبات.
سأحدثك عن تجارب حياتية مع الجيران والأهل أظهرت حكمة الزوجة في أمور الحياة وإدارة المنزل.. وكم من زوجات تسببن في خراب البيوت بسوء فعلهن، وتشهد الأحداث بأن نساء كن سببًا في قتل وسجن أشجع الرجال ، وأعرف من كانت تبدد أموال زوجها نكاية وانتقامًا منه فأفقرته وسجنته بالدين، وأعرف من تصبح كل يوم تفتعل شجارًا هنا وهناك ، مع الأقارب فتقطع الأرحام، ومع الجيران فتفسد الجيرة الطيبة، وأعرف من تتسبب في مشاحنات في العمل بزرع الفتن وإفساد المودة .
وبالطبع لست هنا للحديث عن هذه النماذج التي يعلمها الجميع، وتبدو واضحة على صفحات الصحف، وتملأ وسائل الإعلام، وتضج بهن ساحات المحاكم وأقسام الشرطة …لست أحدثك لأجل ذلك الذي تعرفه.
إنما أحدثك أن المرأة هى التي تربي الأولاد، وتزرع فيهم الشجاعة، فكم من نساء قدمن أبنائهن وأزواجهن للمعارك في سبيل الله ، تلك هى المرأة التي كانت تقف جوار الرسول في الغزوات ، تلك هى المرأة التي قالت عندما استشهد أولادها : الحمد لله الذي شرفني باستشهاد أولادي، تلك المرأة التي نصحت ابنتها في الجاهلية بنصائح صارت تُدرس في جامعات الأمة إلى يومنا ، تلك المرأة التي كانت توصي زوجها إذا غادر البيت للعمل وتقول له : اتق الله فينا فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على نار جهنم ، تلك المرأة التي كانت تستحي من الفاحشة ، تقول هند بنت عتبة للرسول متعجبة: أ تزني الحرة يا رسول الله ؟!، تلك المرأة التي تستحي أن تتكشف رغم ما بها من صرع فتطلب الدعاء من رسول الله ، تلك المرأة التي بايعت رسول الله …فعلى أى شيء بايعت ؟! إنها لم تبايع على قتال أو جهاد بل بايعت على صناعة الأبطال، بايعت على بناء البيت الصالح، بايعت على بناء الإسلام ، إنني أقر بأن المرأة هى المجتمع كله ، هى التي تقيم دعائم البيت برعاية الاولاد، وتربيتهم على الصلاح والهدى، وتزرع فيهم القيم والفضائل، وإنها الزوجة التي تساند الزوج ، وتصدقه النصح فهى مستشاره الأمين، وتوجهه للحلال الطيب ، وترفض أن تأكل من كسب الحرام ، تلك هى المرأة التي تحافظ على مودة الأرحام، إنها المرأة التي تعلم الأولاد قضاياهم المصيرية ، وتزرع فيهم شجاعة الدفاع عن الحق والعدل والوطن، إنها المرأة التى تصنع الوطن .
خسرنا يوم أن فرطنا في المرأة، يوم أن تركناها تنخدع بالحرية الخادعة، يوم أن تخلينا عن بناتنا وتربيتهن ، خسرنا يوم تركنا بناتنا للتلفاز يعلمهن، وللشغالات وللحياة ، خسرنا يوم رأيناها تخرج عارية وقد حفظها الله وما استنكرنا عريها، لم نضيع المرأة وحدها بتفريطنا بل فرطنا في المجتمع والأوطان، ونجني اليوم ما غرسته أيدينا ، تصادفنا نماذج نتعجب منها ونحن صانعوها دون وعى بجريمتنا النكراء، نحصد صورًا ومسخًا من رجال لا يعرفون شرفًا، ونصادف صورًا لرجال لا يقيمون وزنًا للحلال، ولا ويهابون بأكل الحرام، ويتفننون في جمعه، وقد جعلوا الله أهون الناظرين إليهم ، نصادف صورًا تعجز عن حمل أمانة الكفاح ضد الأعداء ، نصادف جبناء يخافون من أصوات العصافير، نصادف متلونون كالحرباء هم أشبه بالراقصات في حانات العري، نقابل صورة الديوث وقد كنت قديمًا أظن أن الديوث هو من يرضى الفاحشة في أهله بيته، ولكن الديوث هو أيضًا من يدفع النساء إلى الرزيلة، هو من يزين لها القول بأنك الفنانة والملهمة، ويدفعها إلى ساحات الرجال ولو توقف قليلا ولو لحظة وسألته ..هل تحب أن تكون أمك أو أختك أو ابنتك هى التي تتلوى وتتكشف وترقص هكذا فوق المسرح ؟! لأجابك غاضبًا ..لا …فلماذا تشاهدها، وتصفق لها وتمدحها، وتدفع المال لأجلها ؟! عجبًا لرجال ألفوا الباطل واستعذبوا المحرمات فاختلط عليهم أمرهم حتى فسدت سجيتهم ” كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ” (14)( المطففين) ، أما علمت أنك ديوث لا تعرف الشرف فأنكرت على أهلك ما ارتضيته لنساء الآخرين ونسيت ” كما تدين تدان ” ، نعم .. نحن الرجال الذين فرطنا، وكذبنا ودلسنا ، ولم نتق الله في النساء ، فصارت صورهن فوق السلع ، وتصدرت الإعلام ، وأهملنا كرامتهن وتربيتهن وعزتهن ، وكم من ظالم أكل حقوقهن ! وكم من خسيس استباح أعراضهن !
ثم تأتي وتحدثني عن بناء الأوطان، والمجتمعات والعودة إلى الدين ، تحدثني عن إقامة عدل ، تحدثني عن صلاح ، وتشكو من انتشار الأوبئة والأمراض ، إن الله يغضب إذا انتهكت حرماته ، يقول تعالى : (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ” (سورة الحج الآية 30) ، فهل منا من يقدر على غضبة الله ، فإن كنت تنشد إصلاحًا فأصلح المرأة ، وإن كنت تبغي عزًا ومجدًا فعليك بإصلاح المرأة ، إن كنت تطلب تحرير الأوطان فأصلح المرأة ، وحتى إن كنت ترغب في الدنيا وسعادتها ومتعها ونعيمها فعليك بالمرأة الصالحة ، وصدق رسول الله عندما لخص شرط اختيار الزوجة في قوله : فاظفر بذات الدين تربت يداك ، كان صلى الله عليه وسلم يعرف ما يصلح أمر المجتمعات والأوطان، ولكننا لم نفقه قوله ، كانت الوصية بالنساء هى آخر وصاياه قبل وفاته ، ولعلكم تعجبون أنه لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يضع رأسه في حجر أمنا عائشة رضي الله عنها .
ولست هنا لأوجهك إلى سبل تربية بناتنا، ولا إلى سبل الحفاظ على أعراضنا ، لكني سأذكرك بحديث ، عن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه – خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))؛ رواه البخاري ومسلم، على ذلك فقس فما لا ترضاه على نفسك لا ترضاه لغيرك من نساء المؤمنين ، فإذا فعلت صغيرًا كان أو كبيرًا تجاه بنات ونساء غيرك فأنت ديوث لأنك تعلم يقينًا بأنه سيرد لك في أهلك، وعليه فأنت قبلت فيهم مثل فعلك، فدعه أو اقبله وتجرع غضب الله ، وإني أبشرك بحديث لعلك طالعته ولم تتدبره ، نعم أبشرك بالجنة إذا أحسنت تربية النساء (البنات) ، هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ” من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابًا من النار يوم القيامة ” ، وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه) رواه مسلم.
أبشر فإنك بتربيتهن ستفوز بصحبة رسول الله في الجنة ، وقد فزت كل الفوز في الدنيا ، فأى مجد وأى شرف تصنعه المرأة ، والآن لعلك تتفق معى أن المرأة هى المجتمع ؛ لأنها أول سبل الإصلاح.