توتة الحقل
عبد السلام العابد /فلسطين
على حافة الحقل ، زرع أبو محمد شتلة توت صغيرة، ونوى في نفسه، أن تكون شجرة وارفة الظلال، مثقلة بالثمار ، يستفيد منها الإنسان، والفراشات، والطيور ، على اختلاف تنوعها وأشكالها .
تعهد أبو محمد غرسة التوت، بالرعاية والاهتمام، فتجذرت في قلب التراب ، ومدّت أغصانها في الفضاء، ونمت وكبرت وأثمرت، وأصبحت علامة مميزة في الحقل، يقصدها المستظلون الهاربون من شدة الحر، والجوعى الذين يلذ لهم تذوق ثمارها الحلوة اللذيذة، في شهر حزيران، حيث تصل ثمارها ذروة الحلاوة والنضوج.
ولا يقصدها البشر فحسب، بل إنها ملاذ آمن للفراش و للحمامات والعصافير التي تبني على فروعها أعشاشها، وتلذ بعسل ثمارها .
وذات يوم صيفي حار ، جلس أبو محمد في ظل شجرة التوت، وتذكر حلمه القديم المتمثل بزراعة شجرة توت ،وقال في نفسه: الحمد لله، ها هو الحلم قد تحقق.
نظر أبو محمد إلى جذع التوتة العلوي، فلمح شيئا غريبا ، دقق النظر جيدا، فإذا بها أفعى كبيرة، تلف جسمها على شكل دوائر !!. فيما كان رأسها يرتفع ، وعلى أهبة الاستعداد؛ لالتهام عصفور صغير بريء جاء يطلب رزقه، أو الانقضاض على عش آمن مطمئن ، لتخريبه، وابتلاع بيضه أو فراخه.
أزعج مشهد الأفعى الخبيثة أبا محمد ، واقشعر بدنه ، وتخيل أما تطعم فراخها، بكل محبة وحنان، فتأتي هذه الخبيثة ؛ لتوجه سهام لؤمها وجشعها وحقدها وسمها، لهذا العش الهانىء السعيد الذي ينتظره مستقبل رغيد.
غضب أبو محمد، وقال في نفسه: لم أزرع شجرتي هذه، لتكون مصيدة للأبرياء، والحقد والموت ، بل زرعتها لتكون مصدرا للحب والخير والجمال والحياة ، وعليّ الآن أن أضع حدا لهذه المأساة المؤلمة .
حمل أبو محمد عصا ، وحاول طردها من مكانها ، ولكن العصا كانت قصيرة ، فحاول البحث عن عصا طويلة ، وما أن أدار أبو محمد رأسه، حتى قفزت الأفعى الغادرة ، وانقضّت على كتفه، وحاولت أن تلتف على عنقه، ولكنه أمسكها بقوة، وهوى بها على الأرض، وخبط بقدمه على عنقها، وسارع ابنه إلى إحضار عصا غليظة ، وضربها على رأسها ، حتى استسلمت تماما ، وتم التخلص من مكائدها و شرورها .