اللاجئُ الفلسطيني

د. أحمد نسيم برقاوي | باريس 
انا اللاجئ الفلسطيني
المُقتَلع من بيته
كما يَقتلع الجلادون طفلاً
من حضنه أمه المتمردة
على السلطان
تشفياً وسادية،
لا أرض لي على هذه الأرض التي أمشي عليها
لكنها
ثابتة تحت قدميّ وتعرفني،
لا جنسية في بطاقة هويتي تمنحي حق البقاء
في بلاد لا تحب روحي
وتخاف من اللغة ومن لغتي،
و ليس عندي جواز سفر دولة أتبغدد فيه
في المطارات
و أحلق في سماء العالم قوياً،
ولا شرعة تمنحني الحق في الوجود
مع أني صانع للوجود
وأيقوناتي معلقة في كل كنائس العرق الذي يتشوف علينا،
أورثت أبنائي رحلة التيه
كما أورثنيها أب وأم هاربان من الموت
وانتظرا على قارعة الحياة
العودة إلى يافا،
وطني على بضع خطوات مني
لكن الطريق إليه مغلقة
أغلقها ديمقراطي مسلح بالبنادق و الجدار
ومستعمرة مسورة من جميع الجهات
و معبر يطبع على وجهي ختمه العنصري
ووحش كوني يحتضن العدوان،
أنا الفلسطيني المشرد في اليباب
بيتي الحجري الذي أسكن
تسكنه روح الخيمة
الخيمة التي عطرتها بروائح العروبة
كي أبقى في فضائي،
لكن ابن أمي
الذي أحببته وأحبني
يمنني حين يغضب مني
بالحدب يوماً علي
و يعيرني بقوله : يا مقطوع الجذور،
منذ خروجي من الرحم
ألقى على رصيف الإنتظار
تحت شجر الآمل الأجرد
الشجر اليابس لم يقني حر الحرة
و لا قر الشتاء
و ما ألقى علي من ثمر الحياة ما أشتهي
مع أني وهبتُ الحياة ما تريد،
ويحاولون طردي من واحة الأمل
خوفاً على بنيهم من العدوى.
نيتشه يا صديقي أنا الذي صدقتك بأن الإله قد مات
و شيعته باحتفال راقص
ضمني أنا وأنت و باخوس وعشتار،
يا صاحب العود الأبدي
أين إنسانك الأعلى الذي وعدت
أين ؟
فالرماد لم يُبق على هذه الأرض مكاناً للحياة.
كانط ياجدي الأول
أنا الآخذ بوصيتك:
لو كانت سعادة العالمين بقتل طفل واحد
لكان هذا الفعل شريراً
و جلالةِ نقدك للعقلين يا جدي
لم أقتل يوماً ما تدب فيه الحياة
حتى النملة الغارقة في بقعة ماء أنقذتها
و لم تشفع لي أختام حرَّاس حدودك أخلاقي
أتراني أنا المقتول أصير في الأعين الزرقاء
هو القاتل ؟
سارتر
يا صاحب طرق الحرية
وأنا الموجود لذاتي،
كل العروش تريدني موجوداً في ذاته
وانا لا أسطيع إلا أن أكون وجوداً طليقاً،
يريدونني هوية مختومة بختم وعيهم لي
الكل في الغابة يراقبني
كأنني شيطان رجيم
سرقوا مني أسنية الشمس
وظلال أوراق الأشجار على جسدي
رقص الجداول وخريرها
يالصارخ والمتأفف من هذا الغثيان
جسدي رسمت سياطهم عليه أحقادها
قلبي أثخنوه بجراحات كرههم
كي تضيق بي الدنيا
وآوي إلى وكرٍ أملاً بالنجاة.
العسس العسس يلحق بي في وضح النهار
وفي العتمة
يعرفني من وقع خطاي
ويلاحق كلماتي و دروب أقلامي،
اسمي موزع على كل مطارات الدنيا
كما صوري ونظرة عيني
و بصمات أصابعي العشرة،
أنا الوجود المطرود من سجلات الحق
وهويتي منبوذة من الأبعدين و الأقربين
متى؟
قل لي متى يا صاحب “الذباب”
أصير وحدي جناحاً في هذا الفضاء
وأنا في كل حين يسبقني وجودي
لكنني
و الحريةِِ تسكنني وأسكنها
لن انطق إلا باللاء المقدسة
في وجوه القيود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى