ما وراء القضبان !!
صبري الموجي/ نائب رئيس مجلس الإدارة
في عشرينيات القرن الماضي اختيرت كأجمل مدينة في العالم؛ نظرا لنظافة شوارعها وأناقة مبانيها التي حاكت بل فاقت الطراز الأوروبي، وقد وعي أسلافُنا الدرس فحرصوا علي جمال مدينة القاهرة التي كانت قبلة السياح من شتي الأصقاع؛ لينعموا بجمال المكان وسخاء السكان، وروعة الطقس وغيرها من مُغريات جعلت زيارة (قاهرة المعز) مكافأة تشرئب إليها أعناق الوافدين، ويطمحُ إليها كلُ من سمع عن أرض الكنانة.
ومن بين مفاخر القاهرة المعمارية المبني الإداري لسكك حديد مصر، الذي شيد علي منوال السكة الحديد بإنجلترا، والذي كان لفترة غير بعيدة صورة من صور التحدي، ومظهرا من مظاهر الجمال، حيث تضافرت الإرادة السياسية مع رغبة المواطنين في الحفاظ علي ثرواتنا المعمارية، ومن بينها ذلك المبني العتيق والعريق لتظل مصر أم الدنيا، بصونِ مُمتلكاتها ووعي مواطنيها !
ولكن ومع تفشي أخلاقيات الزحام التي شوهت كل جميل، وأحلت القبح محل النضارة والبهاء، وفي غيبة من الوازع والضمير، أضحت مداخل المبني الإداري لسكك حديد مصر مأوي لكثير من البلطجية والمتسولين، ومخازن لباعة جائلين احتلوا شوارع وطرقات الدخول والخروج لمحطة مصر، ومرتعا لكلاب ضالة تهدد المارة .
أضف إلي ذلك أن صارت ردهات الملحق الإداري مراحيض عامة، ومستودعا لحيوانات نافقة؛ مما جعل المرور بجواره عقوبة تهون أمامها الأشغال الشاقة أو الحبس المؤبد، بل إن الأمر فاق ذلك إذ إن الروائح المُنفرة صارت تغزو الأنوف علي بعد عشرات الأمتار، الأمر الذي يجعل كثيرا من الوافدين إلي القاهرة يفكرون في العودة ناكصين دون تحقيق مصالحهم أو تحقيق مآربهم .
إن حالنا كمواطنين مع مصرنا الحبيبة لا يختلف عن حال سكان الدار الواحدة التي لو حرص أصحابُها علي نظافتها فستظل دارُهم قبلة الزوار، أما إذا أهملوا نظافتها فحتما ستحل عليها الوحشة، ويخيم عليها الخراب، ويفر قصادُها !
وإذا كانت النظافة من الإيمان، حيث أُثر أن الله جميلٌ يحب الجمال، فحريٌ بأبناء مصر أن يحرصوا علي جمال بلادهم، ويقلعوا عن كل سلوك يشوه الصور ويُقبح الجميل، كما لابد أن يُؤخذ علي يد المخالف وتُغلظ العقوبة؛ لأنه معلوم : أنه إذا عُدمت العقوبة أُسيء الأدب !
ونظافة مدينتنا ليست مسئولية المواطنين فقط، بل هي مسئولية مُشتركة لا يقل فيها دور الحاكم عن المحكوم؛ لأن الوطن ملكٌ للجميع ومن لم تكفه الكلمةُ والتلميح فلابد له من التوبيخ والتصريح، المتمثل في الضرب عليه بيد من حديد حتي يرتدع .
وحقا صدق القائلُ : العبد يُقرع بالعصا والحرُ تكفيه الإشارة.
وإذا كانت دول الغرب – اللادينية – قد حرصت علي النظافة والعمران ففاقت دول الشرق بمئات السنين؛ فإنه بالأحري علي دول الشرق ومن بينها مصر أن تحرص علي هذين المقومين باعتبارهما من تعاليم الدين ومقاصد الشرع العامة .
إن المبني الإداري لسكك حديد مصر الذي شيد علي أحدث طراز وتعددت مداخله التي تؤدي إلي طرقة طويلة، يمكن أن يُستغل كمحال صغيرة، لهؤلاء الباعة الجائلين الذين خلقوا زحاما وتكدسا بجوار محطة السكة الحديد، ونكون حينها ضربنا أكثر من عصفور بحجر واحد : حققنا ربحا للهيئة نظير تأجير ذلك المكان، ومنعنا تغول هؤلاء الباعة الذين صارت الطرقات ملكا لهم!
أضف إلي هذا أننا نكون قد حافظنا علي المكان من استخدامه (مراحيض عامة) تشوه المكان وتؤذي المارة !
وأخيرا : لزاما علي محافظة القاهرة أن توفر (حمامات عامة) في تلك المنطقة بأسعار زهيدة ويفضل أن تكون بغير مقابل مادي؛ إغراء لذوي الحاجات؛ لأن ما تجنيه المحافظة من ارتياد تلك الحمامات أقل بكثير مما تخسره مصر من سمعتها وجمالها !
جزاكم الله خير الجزاء ياأستاذ صبري مقال أكثر من رائع نتمنى عودة تلك الثقافه الجميله والسلوك الحميد للمواطن المصري