غربة وطن وقصص أخرى
صلاح عويسات | فلسطين
(النّصير)
فتح عينيه، ظلمة أحاطت به من كلّ جانب، رفع رأسه، اصطدم بحائط صلب، تحسّس… حوائط ترابيّة تحاصره، صرخ بأعلى صوته و لا مجيب،بدأ نفسه يضيق، لم يبق من يستنجد به سواه، بكى دما وندما، فهو لم يكن على علاقة معه،بل لم يكن يعترف بوجوده.
(غربة وطن)
ذهب يبحث عن عمل، يشعر بالإعياء، أصبحت عظامه لا تقوى على حمل جسده المترهّل، يصل الحاجز العسكريّ يشعربالبرد الشّديد، يجد أمامه مئات العمّال ينتظرون دورهم للفحص ، يدخلون من بوابات إلكترونيّة حسّاسة لكلّ ما هو معدنيّ، لتصدر رنينا يجبرك على أن تخلع الحزام أو المعطف ذا السّحاب أو السّاعة أو حتّى الحذاء، وصل إلى الشّبّاك الزّجاجيّ السّميك، وضع بطاقة هويّته وانتظر للجنديّ ـ ذي القبّعة السّوداء الصّغيرة ـ القابع خلف “الكمبيوتر” تفحّص كلّ المعلومات التي ظهرت أمامه، فتح الجنديّ “الميكرفون” وصاح عبر مكبرات الصوت: ع التمانية ،الدّخول فقط للختياريّة ع الساعة تمانية قبل لأ ، حاول جدال الجنديّ،صاح الجميع ارجع يا حاجّ عطّلتنا ، عاد يجرّ قدميه وخرج من بين تلك الأصابع الحديديّة مشعلا سيجارة، لعلّها تدفئ أحشاءه المتجمّدة من البرد أو ينفث مع دخانها غضبه المتراكم .
(معارض)
اقترح الملك إعدامه، قال الوزير ننفيه أفضل، قال المفتي : أحضروه بسرعة لألقنه الشّهادتين – ضحك الجميع من حماس المفتي- هو يشكل خطرا عليهم ،لكنهم يعلمون أنه أشرف منهم جميعا.
(بوار)
ضرب بيده على صدره واعدا الجمهور الملتف حوله بالتّحرير، حين خلا بشياطينه توسَّل اليهم ألاّ يؤاخذوه على كلماته النّارية المنبعثة من لسانه فقط.
(شيخ السّلطان)
راوده الطّاغية عن دينه، قدّ قميص شهواته من قبل- رأى برهان علمه يحذّره سوء العاقبة – ألقى بضميره في جبّ مصالحه، وشراه بثمن بخس دراهم معدودة، وكان فيه من الزّاهدين.
(فلق الصّبح)
ظاهرة مقلقة…كلّ أهالي الشّهداء يرونهم في الرؤيا يهرشون أجسادهم… لجنة سرّيّة من الخبراء أفادت بعد البحث والتّقصّي أن هناك كائنات تمتصّ دماءهم الطّاهرة.
(آخر زمن)
زار الملك المدينة، استقبله علية القوم، وعلى رأسهم ذلك السّبعينيّ المتصابي الذي يطارد الحسناوات، وفقير ينكر فقره ويبدو كديك مزبلة، ضرب الملك على صدره، وعدهم وعودا خياليّة لم ينفّذ أيّا منها، التقطت لهم صورة كبيرة للذّكرى، نظر إليها إمام المسجد، ابتسم… ثم صلّى على النّبيّ.