في قهوة الحيّ مازالت مقاعدهم
د. ريم سليمان الخش | باريس
بسرعة الومض مكوك الرؤى انطلقا
بهيبة الكشف للأفلاك مخترقا
//
يجوب كونا عظيم الشأن متسعا
وكلما ازداد في غوصٍ به انعتقا
//
عن الكآبة عن أثقال غربته
عن العطالة من جسم به انغلقا
//
فطاقة الفكر كالإشعاع سرعتها
تبقى شبابا إذا ما طيننا انمحقا
//
مررت بالدار لم أعثر على أحدٍ
صاروا هشيما بفأس الوقت محترقا
//
يصافح الضوء أشباحا لهم ظهرت
كثوب أغبرةٍ في جوّها علقا
//
في قهوة الحيّ مازالت مقاعدهم
تشتاق لوحة عمرٍ مرَّ وانزهقا
//
ورغوة البن في الأكواب تذكرهم
عند الأماسي وزهر الياسمين لُقا
//
كانوا هناك مواعيدا وقد طويت
طيَّ السجل وعاف الناسخ الورقا
//
لم يعبئ اللوح في فحوى هوامشهم
كانت شؤونا بلا وزنٍ بها زَهَقا
//
صاروا رمادا وكفّ الريح تقذفهم
ما أضيع العمر إنْ لم يصطفِ الطرقا!
//
جلست بالسوق واستحضرتُ ذاكرتي
في قهوة الحي أرثي عالما سُرقا
//
جاؤوا جميعا ضجيجا ما بأخيلتي
يُعاود الفيلمَ في التذكار ملتحقا
//
بعضٌ يحاول أنْ يحظى بمتعته
بين الصحون كأنْ في ذوقه شَبقا
//
بعضٌ يطفف كوب الشرب منفعلا
علّ الوصال الذي يبغي به اندلقا
//
بعضٌ يُسامر رأس المال مائدة
فيها يوقّع مايرجوه منطَلقا
//
وتحت طاولةٍ في الظلِ غائبةٍ
كان التحرّشُ وحشا هائجا أبقا!
//
الكلّ منصرفٌ عن كنه جبلته
في لجة التيه والإمتاع قد غرقا
//
كانوا صحابي ووحدي من نجوت لأنْ
سافرت كالضوء- لا كالطين- منعتقا
//
تجسّمت لحظةٌ للوقت عابرة
وبادرت بفمٍ من دهشةٍ شهقا!
:
– ألم تكن معنا ؟!!!إذْ أقبلت فتنٌ
ولوّحت بيدٍ أنْ أقبلوا فرقا
//
أضحت هياكلنا للتيه قائمةً
لنعبد الجاه سلطانا لنا سحقا
//
ألم تقع بغوى الأوقات ساحرة
تُفوّح الجنس تخديرا لنا عبقا!
//
ألم تَغُرّك سيقانٌ وقد كُشفت
حتى بدا الخصر إصحاحا ومعتنقا؟!
//
– بلى غرفتُ …ولكنْ لم أكنْ نهما
فلذة الفكر تكفي من له عشقا
//
لقد نجوت بترحالي كسهم ضيا
أغازل الغيم والآفاق والشفقا
//
أسبح الله تعظيما فعزّته
في كلّ ركن لها إكبار من نطقا
……..
ملاحظة:
استخدمت مفهوم النظرية النسبية لأعلل أن المفكر لايهرم والأفكار لا تموت ….