ثلاثة مقاطع من سيرة الحب
ميرفت مصطفى نبيل | القاهرة
(أحبَبتُ حَماقاتي)
أحبَبتُ حماقاتي التي جعلَتكَ تُرسِلُ لى أوَّلَ رِسالةِ ودٍّ مِن بَعدِ عُمرٍ انقَضَى بِدونِكَ , ظَننتُهُ عامًا كامِلًا و إنْ لم يكُن عامًا ، بل ربما كانَ عامَينِ انقطع فيهما الأمل بانقطاعِكَ .
جاءتْ بَرقيَتُكَ لتقولَ لِى إنَّني ما زِلتُ حَيَّةً أتنفَّسُ ، بل أتنفَّسُكَ أنتَ شَخصيّا و لم أكُن أعلمُ أنَّني أحبُّ
لم أعلَمُ كيفَ أتصرَّفُ ؛ فقَد أربَكَني ذلك الأمرُ ، فظلَلتُ حَبيسَةَ أفكارِي رأسِي مُقفَلٌ لا شيءَ فيه سِوى الأفكارِ تَروحُ و تَغدو ، تُصيبنُى بالحُزنِ ؛ لأنِّي تسبَّبتُ في حُزنِكَ رَغمًا عنِّي . أحببتُ صمتَكَ ، حتَّى عِنادَكَ كما أحببتُكَ كُلَّكَ ، فلقَد تسرَّبتَ إليَّ في صَمتٍ بَل و في هدوءٍ تسربت إلى كلِّ أرجاءِ جسَدي البَضِّ و غلَّفْتَ ذلكَ البُرعُمَ الأخضرَ الصغير القلبُ فأصَبتَه بالعَطَب حينَ ذهبتَ ووليت.
و لقَد حملتُه داوَيتُه ؛ كي أستكمِلَ حياتي من بَعدِكَ في بعدك.
لكنَّه ظلَّ يتألَّمُ .. يتأوَّهُ .. و يَشكوني إلي , يعلو صوتُهُ يَجرَحُني و أنا جريحَةٌ بما يَكفي و قلبي مُقفَلٌ دُونَ الآخَرينَ لم يعُد هناكَ أحد سواك أنا لم أستَبِح أحدًا غيرَك . بِتُّ وَحيدةً فى مَدفَنِ الحُبِّ.
أبكِي و أبكي وأبكي.
لكن ظِلالُ الحُبِّ الوارِفَةُ تُعطيني أملًا في أن تَعودَ.
أرجوكَ لا ترحَلْ مرَّةً أخرَى فإنْ كُنتَ تقِفُ بالبابِ ، فسأستقبِلُك أبهَى وأيَّما استِقبالٍ .
لكنَّني لن أدعوَكَ للدخولِ ، فحَيائي يمنَعُني يا مَن أحبَبتُ . ما أحسَستُ بحِضنٍ دافِئٍ مِثلما حلُمتُ و لكنِّي تخيَّلتُ و عِشتُ لياليَ البَردِ في أحضانِكَ الشَّهيَّة حتى أعيشَ و حتى ينبضَ قلبي بالحُب. كيفَ أتيت ! لقد دعَوتُ ربِّي و بكَيتُ و سألْتُ فحصَّلتُ على ما تمنيت ما بخل علي .
أطلُبكَ ليلَ نهارَ . قلبي عارٍ بدونِكَ أمامَ الخَلقِ .. افتُضِحْتُ ، لا بَل أنا التى عَن عِشقي أفصَحتُ ارتَمَيتُ و بَكَيتُ ، لا بالدَّمعِ .
التَهَبَتْ عينايَ ، فالدَّمعُ صارَ دَمًا بِفراقِكَ يا مَن أحبَبت .
أُغشِيَ عليَّ علَى أعتابِكَ ، و كانوا سَيُدخِلونَني عليكَ فرَفَضتُ و أبَيتُ إنْ لم تأتِ مُلبِّيًا نِداءَ العِشقِ و تَروِ عطَشَ قَلبي وصَدري وتلتهِمْ جسَدي و تُغطِّينِى بأهدابِكَ و تُحْيِ قلبي مِن جديدٍ .
أحبَبتُ سُكونَكَ .. سُكوتَكَ .. صَوتَ حَيائِكَ .. صَوتَ كِبريائِكَ ، عينايَ تُؤلمانِنِي إذا لم تَرَياكَ .
و قلبي يُعتَصَرُ لينضَحَ خَمرًا كيما يُلهيني عن الحُبِّ .
وأظل أشرَبُ و أشرَبُ وأشرَبُ ، لا أتوقَّفُ عَن الشُّربِ و أبكي و أنتَحِبُ و أعتَصِرُ قَلبي مِن جديدٍ لأجِدهُ و قدْ نضبَ بفعلِ الحُب ، و ألعنُ حبِّي قاتلي مُمزِّقي و أظلُّ أصرُخُ ، لا يَسمَعُني أحَدٌ ،و أذوبُ شَوقًا إليكَ و إلى صَدرِكَ و أتوهُ و أنسَى عنواني لا أعرِفُ إلى أينَ سأذهَبُ وَحدي بِدونِكَ يَا مَنْ أحبَبْت . و أرْقي نفسي علِّي أُشفَى و لا أُشفَى. و أقَبِّلُكَ ألفَ قُبلَةٍ ، و لا أشعُرُ أنِّي قبَّلتُكَ ألفَ قُبلةٍ ؛ لأنكَ تنظُرُ إليَّ في صَمتٍ و أبذُلُ جسَدي على بابِكَ وأقَعُ بِجوارِ جِدارِكَ و أخلَعُ ثَوبي الأوَّلَ علِّي ألفِتُ نظرَكَ و تسمَحُ لي و تُدخِلُني أقترفُ خطيئةَ الحُبِّ و أظَلُّ عَذراءَ ؛ لأن الخطيئةَ ستَكونُ بالقَلبِ ، لا لنْ أُلوِّثَ طُهري يا مَن أحبَبت. تَكفيني نَظرَاتُك .. ضحكاتُكَ ، و أن يكونَ سكَني بِسَكَنِكَ و أن يكونَ بيتُكَ محَلَّ إقامتي .
و أعصرَ لكَ عِنبًا و أضعَهُ في فيكَ البَضِّ الغَضِّ اليانعِ . و أظلَّ أُريقْ رِيقي في فيكَ علِّي أحيي الحبَّ و أُحِبُّ و أُحِبُّ و أُحِب.
(فُصولُ القَلب)
مايو يفضَحُ جمالَكِ عِندما تَرتدينَ المايُوه ليُفصِحَ عمَّا تَخجلينَ مِن قولِهِ بأنَّكِ جَميلةٌ و ما ادَعيتِ.
و الرَّبيعُ يَصنعُ جمالَكِ و ذلكَ حِينما تفوحُ رائِحتُكِ الجَميلةُ لتُعَبِّئَ الكَونَ فنختنقَ بالحُبِّ و مِنَ الحُبِّ ، مِن شِدَّةِ وَقعِ رائِحتِكِ الجميلَةِ الذكية .
و الشِّتاءُ يَصنَعُ جمالَكِ حِينما تتدثَّرينَ مُختَفِيةً عَن أعُينِ الخَلقِ الذينَ يُريدونَ أن يرَوا ما خبَّأَتهُ ملابِسُ الشِّتاءِ الثَّقيلةُ عَن أعيُنِهم مِن جمالٍ .
و يأتي الرَّبيعُ ليُظهِرُكِ على طبيعَتِكِ الجَميلةِ التي تُنافِسُ الطَّبيعةَ الخَلَّابةَ كُلَّها في الجمال ، فأنتِ بحَقٍّ مُعجِزةُ الرَّبِّ في الجَمالِ ،
والخَريفُ يُظهِرُ حُزنَكِ الجميلَ حينَ تَحزَنينَ كَوَردَةٍ غيرِ ذابِلةٍ ، بل يانعةٍ مورقةٍ جميلةٍ بضَّةٍ و أرَى قطراتِ النَّدَى تتقاطر منك يا أجمل فتاةٍ تَدمعُ في الحُزنٍ لستِ كأحَدٍ مِنَ البشَر !
لكنِّي أنا وَحدي ، نعَم أنا وَحدي مَن يرَى جمالَكِ في كلِّ الأزمِنَةِ و الأماكِنِ و الظُّروفِ ؛ لأنكِ لي وَحدي حبيبتي !
يقولونَ إنَّني أُشبِهُ أبي ، و هَذا ما فسَّرَ لِماذا أرتَدي ملابِسَ أمِّي ؟ عندما أضَعُ (الرُّوج) أجِدُني كأنِّي أطلي شَفتَيَّ بِضَحِكَتِها،أستخدِمُ إمضاءَها لأمضيَ بالحُبِّ وارتديتُ نعومتَها فنسيتُ خشونةَ أبي .
هيَ أبدًا لنْ تَفقِدَ اهتِمامي لأنني أصبحتُ امتِدادًا لها.
قلبي مُغَطًّى بِقِشرِ السَّمَك الذي كانَت تصنَعُهُ لي بينما كانَ أبي كالتِّمساحِ!
مُمِيتني بالهَجرِ
مُميتني بالهَجرِ إن وَصلتُكَ ، مُميتني بالهجرِ إن تركتَني و محييَّ إن اهتمَمتَ بي ، أُحبُّك ، أحبُّك يا أسطورَتي في الهوَى أحينَّى إن شِئتَ و أمِتنِي متى شِئتَ ، لن أسألكَ لِمَ أو متَى أو أيَّ شيء .
(أحبَّكَ عقلي)
كانَ عقلي و لا يَزالُ تدورُ فيهِ الأسئلةُ على النحوِ التالي : هل تُحبُّني .. هل ترغبني .. هل تَشتهيني ؟ هل يعنيكَ أمري؟
أشكُّ بِهذا الأمرِ . و أنتَ مَن زَرَعتَ أغصانَ الشَّكِّ بذلكَ .و أعود لأسألك ما الأمْر ؟
و لأصبحَ كالنَّجمةِ في سمائِكَ كالقمرِ في عتمةِ الليلِ ، عتمةِ ليلك ، نعم ليلِك فبدوني كانَ و لايَزالُ ليلُكَ قاتمًا لونِ السوادِ بل أشدَّ .