الطربوش في التراث المصري (1)
أ.د.محمد إبراهيم
احتلت أغطية الرأس أهميةومكانة لدي الشعوب والمجتمعات منذ القدم،فكانت التيجان عند الملوك والعمامة عند العرب،ثم ظهر الطربوش الذي احتل مكانة في المجتمع المصري لقرابة 200 سنةوالذي شكل الكثير من وجدان المجتمع المصري لفترة طويلة،وقد اختلف الكثير من المؤرخين في أصله ومنشاه ومعني الكلمة،فيشير البعض أن أصل الكلمة فارسي معرب من سربوش، من مركب سر أي رأس و بوش بمعني غطاء (غطاء رأس) ومن ثم استبدلت الكلمة بكلمة الطربوش فيما يبدو لعلاقتها بالطرة أو باللفظة الفرنسية tiare التي تعني زينة رأس الملوك والباباوات.،أما عن اصلة بالبعض يرجعة الي بلاد المغرب اواليونان اوالنمسا،ومنها ظهر في الدولة العثمانية ليعمم علي كل الولايات التابعة لها ومنها مصر،أما عن التاريخ المحدد لدخوله الي مصر فيجمع المؤرخين علي دخوله واعتماده الي عهد ابراهيم باشا ابن محمد علي عند فتحه لبلاد الشام 1832،ثم اعتمده محمد علي كغطاء للراس عوضا عن العمامة بعد ذلك، وكانت مصرفي البداية تستورد الطربوش من الخارج حتي انشأ له محمد علي مصنعا بمدينة فوة بكفر الشيخ عام 1834 كان يعمل به 2000 عامل،فاستغنت به مصر عن الاستيراد، وذلك لتغطية تجهيز الجيش المصري بما يلزمة من الطرابيش، كذلك انشا الملك فؤاد مصنعا للطرابيش عام 1936بميدان الحلبي بالدراسة ظل يعرف هذا المكان حتي الآن بشارع الطرابيشي.
يشير البعض الي ان فكرة ارتداء الطربوش كانت سياسية أكثر منها اجتماعية لأنه كان زيا رسميا لتركيا، وبحكم ان مصر كانت ولاية عثمانية فاصبح الولاه التابعين لها يتشبهون بسلطان الباب العالي في ارتداء الطربوش ، لذلك تاثر بقاء الطربوش بالمعارك السياسية وتوسعات محمد علي ، إذ كان من أثر توقيع اتفاقية لندن 1840 وتحطيم قوة محمد علي ، أن حرصت الدول الاوربية علي تفكيك مصانع الطرابيش ضمن سياسة تقليص عدد الجيش المصري ، ثم مع ظهور البحث عن هوية مصر : هل هي فرعونية أم إسلامية ام تنسب للبحر الأبيض المتوسط ، أكتسب الطربوش دلالة خاصة ( قومية ) باعتباره رمزا في مواجهة قبعة الأوربيين الغزاة.
في عام 1925 الغي مصطفي كمال اتاتورك الطربوش من تركيا رسميا ، وبالتالي بدأ ينسحب انتشاره من معظم الدول العربية ، لكنه زاد انتشارا في مصر ، حتي ظهر المشروع القومي ( مشروع القرش ) عام 1931 الذي كان يهدف الي جمع تبرعات من المصريين لاقامة مصنع للطرابيش محلي بدلا من الاستيراد وتحرير صناعته من احتكار الغرب، وفي عام 1958 وبقرار من الرئيس جمال عبد الناصر الغي الطربوش نهائيا من مصر علي اعتبار انه رمزا للملكية والعهد البائد فسقط الطربوش من ملابس البوليس والجيش ومن ثم موظفي الدولة ، وفي عام 1962 اختفي الطربوش لدي عامة الشعب المصري ، وكان فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد آخر الباشاوات الذين ظلوا أوفياء للطربوش.
أما عن أشكال الطربوش وصناعته والعادات والتقاليد التي ارتبطت به وترسخت في وجدان المجتمع المصري، والمكملات التي ارتبطت مع ارتدائه ، وماعبر عنه الفن المصري عنه في الأغاني والافلام ….. فالحديث يطول ويطول وسنتناوله في الجزء الثاني من المقال !!