مذكرات الملك فاروق.. الاستعدادات الرسمية للرحيل (4)
تنشرها: فريدة شعراوي | باحثة في التاريخ والمصريات
يواصل الملك فاروق قائلا: وبدأت الاستعدادات الرسمية للرحيل، وفي قرابة الواحدة بعد الظهر جاءني سليمان حافظ حزيناً متأثراً معه أوراق التنازل عن العرش وبتهدج شديد قال لي: “فلتلمس عذري يا مولاي وليسامحني الله كنت أتمنى أن أطلق النار على نفسي ولا أحضر هذه الأوراق إليك” ..
انه سليمان حافظ ذلك التمساح الذى توسل إليَّ أن أخبره بأى طلبات أو إذا كان بمقدوره أن يفعل شيئا من اجلى فى ذلك الوقت الحرج كالاتصال بأحد الأصدقاء فشكرته وطلبت منه رجاء آخر يتعلق بتأمين الحكومة الجديده لوضع ابنى .
ووقعت التنازل وأعدته إليه ودموعه الحاره تغالبه، والهدف من تعاطفه ودموع التماسيح التى شاهدتها كانت من أجل معرفة أسماء أصدقائى الذين قد يشكلون نواة لمقاومة المتمردين، وأنا أشيد بقدراته التمثيلية لكننى لا أستطيع الثناء على أخلاقياته !! ،
ربما كان هذا مرضيا جدا لمتمردى الجيش البسطاء وقد نجحوا فى تحقيق هدفهم لكن الأمر لم يكن مرضيا للمتعصبين من الإخوان المسلمين، وما أكثر الاقاويل التى ارتبطت باللحظات الأخيرة .
فقيل إننى رقيّت نجيب فى محاولة لعقد صفقة لإنقاذ حياتى وعرشى، ولكن الحقيقة أن نجيب تمت ترقيته بشكل رسمى قبل الانقلاب بثلاثة أيام حين أحضر على ماهر خطابا من أربع صفحات كتبه نجيب بنفسه متضمنا عشرة مطالب .
أولها تعزيز موقف على ماهر رئيس الوزراء، وكان يسعدنى ذلك لأنه رجل فاضل، وثانيها ترقية نجيب إلى رتبة فريق، فلم أمانع حيث إنه قد تولى قيادة الجيش فعلا، أما المطالب الثمانية الأخرى فكانت تتعلق بمرتبات وترقيات كبار المتآمرين وتنحية بعض المسئولين فى قصري، وكان منهم الصالح والطالح وفى نهاية الأمر وافقت على المطالب كلها .
ولكن بعد مغادرتى مصر أعلن نجيب أنه لم يقبل الرتبة التى عرضتها عليه، والحقيقه أنه طلب الترقية وقبل أن تطلق رصاصة واحده وخطابه المكتوب بخط يده فى أربع صفحات يمكن إظهاره إذا كان الأمر ضروريا .
لم يكن أمامنا سوى ساعات قليلة لكي نجمع ممتلكاتنا، وقد ابتسمت في مرارة وسخرية للأحاديث التي انطلقت لتعترض من وحي الخيال وما أخذناه من متعلقات وأمتعة ولكنني أؤكد أننا لو استطعنا أن نأخذ أكثر مما أخذناه لفعلنا .
ولكن الحقيقة المرّة هي أن كل ممتلكاتنا الشخصية تقريباً كانت في القاهرة، فلم نأخذ معنا إلا احتياجاتنا لقضاء فترة الصيف في قصر المنتزه وأثناء مغادرتنا العاجلة لقصر المنتزه هرباً إلى قصر رأس التين لم نأخذ إلا حقيبة سفر لكل منا تحتوي على الضروريات وهكذا غادرنا مصر إلى المنفى ومعنا أقل القليل فسافرت بصحبة 60 فرداً بمن فيهم أفراد حراستي وقدّرت أمتعتنا على ما أظن بـ 150 صندوقاً للثياب .
إضافة للحقائب واللفائف بمعدل ثلاثة صناديق لكل فرد، فعلى سبيل المثال كان كل ما يخص ابنتي فادية طقمين من ملابسها وعلبة ألوان، وأما متعلقاتي فكانت بدلتين وملابس غير رسمية وستة قمصان، بينما كان نصيب ناريمان سبعة أطقم من ملابسها وهكذا سافرنا إلى المنفى وملابسنا تكفينا لشهر واحد!. . انتهى كلام الملك فاروق
بعد رحيل الملك فاروق، أصبح “سليمان حافظ” اليد الطولي في إضفاء السلطات على مجلس قيادة الثورة، وتم تشكيل وزارة جديدة برئاسة اللواء محمد نجيب بعد إقالة وزارة على باشا ماهر وتم اختيار سليمان حافظ لمنصب وزير الداخلية ليعتقل ويسجن كل معارض حركة يوليو، وأصدر قانون إلغاء الأحزاب لتنتهي مسيرة الأحزاب في مصر حتى عام 1976 بقرار الرئيس السادات بعودة الحياة الحزبية.
ومع بداية عملية لجان التطهير كما كان يسمونها ضباط يوليو كانت تصطدم بالدستور (دستور 1923) ليأتي سليمان حافظ بإقناع الضباط بضرورة إلغاء الدستور فتم تعطيل العمل بالدستور!! .مصر كانت عزبة .
ومع بداية أزمة مارس وهي أزمة سياسية وقعت في مارس 1954 بين الرئيس محمد نجيب من جانب ومجلس قيادة الثورة لتحسم في النهاية لصالح الرئيس جمال عبد الناصر ويتم تحديد إقامة الرئيس محمد نجيب.. فيستنكر ويعارض ذلك سليمان حافظ فيتم اعتقاله من قبل (ضباط يوليو) الذي سخر القانون ووأد الديمقراطية وثبت قوانين الديكتاتورية من أجلهم، وللحق لم يضرب بالحذاء مثل السنهوري رئيس مجلس الدولة، وصديقه الصدوق، فقد اعتقل.