نحن من نعطي الخلود لتجاربنا
عبد الغني المخلافي | اليمن
بقلب منكسر، يجر خيباته، تاركًا حكايات بفصول متعددة، بتراجيديتها. تصلح أن تكون دراما تاريخية، لما لها من تشويق وإثارة، تستهوي من يعيشون تجارب مشابهة.. وهي التي لا تماثلها تجارب، إلا في الأساطير والخرافات.
ما تصوره بدا له وهْمًا، كانت قد زينته عين مشاعره بإسراف نحو المغامرة والجنون .
تستوقفه أسئلة، وأجوبة لم تعد تقنعه، بتجربة، خلدها شعرًا ونثرًا.. احتواها بأعمق المشاعر الصادقة.. جعلها في عينيه البون الواسع وعدم الاقتراب كائنًا سماويًا،
يتذكر مقولة لأحد الفلاسفة تقول: عندما نقترب من الأشياء نفقد ما رسمناه من تصورات عنها .. تبدو غير تلك الصورة الملائكية، في مسيرة غرامية وتضحيات جسام ـ وجانب هو الأطهر والأسمى ـ وحصيلة أثرت نتاجه الإبداعي والإنساني ـ وثقافة بصماتها واضحة، رغم الاكتواء بالحرمان والعذابات .
مضى يتعامى، حتى لا يسقط مرتطمًا بصخور الفاجعة، وفقدان ما ترسمه يد الخيال، من قصص وقصائد بها دفاتره امتلأت..
أيكون مخدوعًا، غير مدرك من لم يطلع على زيف الحقيقة، التي انتهى إليها..
يتحدث بصمت حتى لا يتناقض، أمام تاريخه العاطفي :
ليتني مت مخدوعًا، دون إدراك الحقيقة التي لن ينتهي في أعماقي مذاقها المر، ولن تبرح عمق قلبي، أظفارها الناشبة..ليتني بوهمي الجميل اندفنت في أسطورة، عشت أصنعها.. دون صدمة أو فاجعة.
ماذا عن قصص الحب الخالدة، أتكون في حقيقتها هي الأخرى أكاذيب ، ومثالية تبدو لمن يطلع على تاريخها ؟.. أأبطالها بجوهرها عاشوا مخدوعين، وموروثها المثالي في باطنه مزيف؟.. أنكون نحن الشعراء والأدباء، من نعطي الخلود لتجاربنا.. نصنع منها الأساطير.. نمنحها الشكل الخرافي، غير الموجود ويحيطها بهالة نورانية خيالنا الشاعر ؟.. نلبسها حلل الطهر والصفة الجمالية، فيما نصوغه من شعر ونثر وأدب.. ولو لم نكن شعراء أو أدباء، لكانت كمثل كثير من تجارب الحب التي ليس لها أثر؟.. أتكون الأشياء في حقائقها نقيض التخيل والتصور؟ عندما نذهب لنعيشها، نعمد إلى قتلها.. أعلينا أن نطاردها في الوهم لتثرينا شعرًا ونثرًا . إذا كانت الحقائق في طبعها مرفأ للخيال ، وموتًا محققًا لمشاعر الفنان؟
يطالعنا تاريخ الشعر العربي، بقصص حب لشعراء، خلفت تجاربهم العاطفية موروثًا وجدانيًا عَظيمًا -” قيس وليلى – عروة وعفراء – جميل وبثينة- كثير وعزة ” وآخرين خُلدوا بأعمالهم الشعرية والأدبية مع من أحبوا.
تواردت عقب تجلي حقيقة الاقتراب والمعاينة هذه التساؤلات والتأملات المشككة بكل التجارب في موروث غرامي، على قصصه تثقف منذ الصغر.. جازمًا أن الخيال والتصور ـ يتنافى مع الأشياء حينما نعيشها كحقيقة.