هل النقد في أزمة أمام وسائل التواصل الاجتماعي (1)
إيغار كنيفاتي – حلب | سوريا
(النقد تفسير خاطئ ومعكوس: ينبغي أن تتم القراءة من أجل فهم الذات ،لا من أجل فهم الآخر). ” إميل سيوران”
(النقد مثل المطر ينبغي أن يكون يسيراً بما يكفي ليغذي نمو الإنسان دون أن يدمر جذوره). ” فرانك كلارك “
ما دفعني لأن أكتب عن النقد هو ما يجري اليوم على شبكات التواصل الاجتماعي من تملق عجيب وكلمات إطراء غريبة، فيكفي أن نلقي نظرة على وسائل التواصل ،لندرك أن هناك جيلاً كاملاً من الشعراء و الكتاب والفلاسفة و المحللين السياسيّن.
سرعان ما نرى من لقب نفسه بشاعر أو لقبوه شاعراً، ونتفاجأ بتلك العبارات الرنانة: (شاعر كبير، عظيم ، مبدع رائع) دون أن يغيب عن أذهاننا أن هذا الجمهور المتواجد على صفحة ذاك -الشاعر الكبير الفذ- هو بحسب اختياره و انتقائه، فمن لا يعجبه رأيه ينهي تواجده على الصفحة .
لقد أفرزت الحروب والتشتت الحاصل وربما الحريات المغلوطة، ما يُسمى – جيل الخيبة – الخيبة التي أصابت الكثير على كل الأصعدة، و بدأ البحث عن هوية ما، عن وجود ما على أية أرض حتى لو كانت الجحيم !
وبدأ القلم السيّال عند الكثير وبدأ تسجيل اليوميات،و تسجيل البطولات، و بقدر التكنولوجيا الحاصلة والسرعة والمضي نحو مستقبل غير معروف الملامح، اتجه الكثير إلى الغوغائية مستغلين غياب حركة الابداع النقدي و النقد الذي يقيّم الفن أو ما يُسمى بالذاكرة اليقظة خلف الكتابة البلهاء ! فغياب الحركة النقدية الحقيقة المواكبة يعد سبباً في هذا الضجيج الحاصل .
و سنسأل لماذا يغيب النقاد ؟!
ليجيبنا أحد النقاد قائلاً :
(إن النت أصبح مسيطراً فما اعتبرته المجلة شعراً واعتبرته أنت مقالاً .. لا علاقة له بالنوعين من بعيد أو قريب.. وحين تتناوله أو تتحدث عنه ينبري لك صاحبه ليسبك و يتهمك بكراهيته و من هنا آثر معظم النقاد الإبتعاد عن تلك المهاترات التي لا تساهم في تطور الإبداع بقدر ما تساهم في حرق دم الناقد )
هذا على صعيد الفيسبوك ،أما النقد بشكل عام فقد غابت الموضوعية في نقد الأعمال الأدبية.حتى إن البعض ممن يطلقون على أنفسهم لقب ناقد،لا يفقهون شيئاً في فن و أصول النقد الفعّال ،بل لم يرتقِ نقدهم سوى إلى الاطراء والمديح والسطحية و الاستهلال .
لقد بدأ النقد يلعب دوراً هدّاماً، عكس ما كان ،إننا نلحظ بوضوح كيف باتت المصالح الشخصية الأدبية تلعب دوراً كبيراً في النقد ،و أصبحت الشللية واضحة في اهتمام الناقد بكاتب دون آخر وبات النقد يلعب دور الدعاية للمنتَج ولقد عمل صاحب دار النشر على استغلال النقد بشكل ناجع و على طرفي نقيض ،المدح و الذم .
فأحدهم يكتب عن رواية ما،أجمل العبارات و آخر يكتب العكس و كلاهما مدفوعا الأجر! و هكذا، مما يدفع القارئ لشراء الكتاب ليحكم بنفسه.و تقع القطعة الفنية في فخ النقد غير المنطقي و الذي لا يمنحها حقها الفني الحقيقي.
النقد تجارة رابحة ..
و على الرغم من وجود أقلام متمرسة إلا إنها في خضم هذا التواتر السريع والمنهك في إنتاج الكتب بدأ الناقد الجاد يفقد حماسه فلم نعد نرى اليوم هذا الجهد المبذول من جانب الناقد ،فهذه المهمة البالغة الخطورة تحتاج لوقت لا يحمل في طياته النزق و الروح القصيرة لم يعد الناقد يود أن يغوص في القطعة الفنية و بات أقرب للتسرع في إطلاق الأحكام.
و رغم قتامة المشهد إلا إنه لا بد لنا أن نرى الجانب المضيء فقد لعبت شبكات التواصل مهمة خطيرة في تعارف الأدباء على نطاق مهم و بدأ عصر جديد في تبادل الأفكار و قد بدأ البعض فعلاً في فرض ذاته على هذه المواقع .
وأصبحنا نلمس بقوة تواجد الإبداع العربي وحضوره في مجالات عدة، لكن النقد الجاد والمقيّم غائب في هذا الزمن الراهن.
لنرى ما قاله لنا “نودييه ” عن الأدب و الكلمة :
((إن الكلمة ثمرة للفكرة فمتى نضجت الفكرة سقطت كما تسقط الثمرة الناضجة ،و لكنها تسقط على كلمتها)) .
و كما شرح العتابي قطعة فينة شعر بها و كأنها من لحم و دم (( الألفاظ أجساد ،و المعاني أرواح ؛و إنما تراها بعيون القلوب ،فإذا قدمت منها مؤخراً ،أو أخرت منها مقدماً أفسدت الصورة و غيرت المعنى ؛كما لو حوّل رأس إلى موضع يد ،أو يد إلى موضع رجل ،لتحولت الخلقة ،و تغيرت الحلية !)) ” العتابي ”
إنها عبارات أخاذة في نقد لقطعة فنية ،و تحدث دوستويفسكي بمفهومه الجميل : ((يتيح لنا الأدب معرفة الإنسان في الإنسان ))
أخيراً أتمنى أن يعود النقد إلى سابق عهده لتعود الحركة النقدية على ساحة الأدب الهادف. كما أتمنى أن يجد النقد هويته على شبكات التواصل الاجتماعي ،فقد بات من المهم جداً تقييم ما يكتب و ما يتم نسبه إلى الأدب !
فإذا كان الأدب يسجل ميزات الأمة العقلية و النفسية و عيوبها . و يشكل روح العصر ،و نتاج المجتمع . النقد هو تجسد العصر و الناقد هو من يقوم بنحت هذه القطعة الفينة ذات الخلطة الساحرة .