الأسير ماهر يونس.. سجين دولة الأوشفيتز الإسرائيلي

عيسى قراقع | فلسطين

العنصرية المقيتة والأدعاء بالتفوق العرقي والجيني والتماهي مع اساطير الشعب المختار وأرض الميعاد وسياسة التعامل مع الآخرين باعتبارهم ليسوا من بني البشر ويجب معاملتهم كالعبيد، والدعوات اليمينية التحريضية الإسرائيلية لإقامة معسكرات إبادة للفلسطينيين، والتحريض غلى قتل الأسرى والدعوة لرشهم بالغاز السام وتشبيههم بالصراصير، وتحول إسرائيل إلى دولة دينية عسكرتارية يتصاعد فيها الفكر المتوحش لغلاة المستوطنين المتطرفين، لكل هذه الأسباب ندرك لماذا بقي الأسير ماهر يونس ابن قرية عارة في المناطق المحتلة 1948 لمدة 38 عاما داخل سجون الاحتلال مع آلاف الأسرى والأسيرات، لم تحررهم العدالة الدولية، ولم تنقذهم الحروب المتتالية ولا صفقات التبادل، لم يكتب أحد عن الهولوكست الإسرائيلي المعاصر الذي يدفن الأحياء في توابيت زمن السجن الثقيل.
النازيون أقاموا عددا محدودا من معسكرات الاعتقال والأبادة خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن المحتلون الإسرائيليون أقاموا مئات المعسكرات والسجون ومراكز الاعتقال منذ عام 1948 حتى اليوم، زج في هذه السجون أكثر من مليون ونصف فلسطيني صغيرا وكبيرا، رجلاً وامرأة، وقد وثق المؤرخون أن الفلسطيني إذا لم يكن داخل السجن فأنه طرد من أرضه وشرد كما جرى خلال النكبة، ويذكرنا ذلك بمسيرات الموت التي أقدم عليها النازيون عندما تركوا الأسرى يسيرون على أقدامهم باتجاه المنفى، أطلقوا عليهم الرصاص وأعدموهم، فمن لم يمت في المحرقة مات خارجها، في مذابح الإعدامات الميدانية التي نفذتها العصابات الصهيونية بحق أبناء شعبنا.
الأسير ماهر يونس دخل المحرقة ولازال، ألبسوه في البداية بدلة الإعدام الحمراء هو و ابن عمه الأسير كريم يونس بعد أن أصدرت المحكمة الإسرائيلية حكما عليهما بالإعدام شنقا، استبدل الإعدام بالسجن المؤبد وظلت شهوة القتل راسخة في عقول الجلادين، كان هتلر حاضرا في قلب العقلية التي أصدرت حكم الإعدام وشرعت في البرلمان الإسرائيلي قانون إعدام الأسرى وقانون احتجاز جثامين الشهداء، إنه الهولوكست في السجون وفي القبور وفي أيديولوجيا الإبادة والتطهير العرقي.
الأسير ماهر يونس لا يفرق بين جنود إس. إس الألمان وجنود الاحتلال الإسرائيلي، تختلف الأسماء ولكن هي نفس المهمات، هي نفس الوحدات العسكرية والأمنية التي تمارس الاعتقالات والقمع والمداهمات، هي نفسها التي تنفذ الإعدامات خارج نطاق القضاء، هي نفسها التي تقمع الأسرى داخل السجون بكل وسائل العنف، متشابهون تماما في التفكير والسلوك، الدوس على كرامة الإنسان، التعامل مع الشعب الفلسطيني بشكل دوني وأقل من مستوى البشر، المحرقة تحركهم في ممارساتهم العنصرية، فتح أبواب مصانع الموت والإخفاء القسري التي أقامها النازيون قبل اكثر من 75 عاما، إنهم النازيون الجدد الذين حذر الكاتب الإسرائيلي عاموز عوز من ظهورهم، المدعومين من المؤسسة الرسمية والكنيست والحاخامين الذين يقدمون لهم تبريرات دينية.
الأسير ماهر يونس سجين في دولة الأوشفيتز الإسرائيلي، دولة المخابرات والمعسكرات التي تمتد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب في فلسطين دولة مشهد عسكري وأسلاك شائكة، دولة تحاصر الشعب الفلسطيني بين الجدران والحواجز العسكرية وأبراج المراقبة، دولة لا تعرف كيف تبقى موجودة دون أن تكون حارسا على معسكر اعتقال أو في صراع وهستيريا متواترة، وإذا كان الهولوكست مكونا من ثلاثة معسكرات رئيسية في بولندا أبان الحرب العالمية الثانية، فإن ماهر يونس لا يعرف حدود الهولوكست الإسرائيلي والذي تجاوز الخط الأخضر عام 1948 وخط الهدنة عام 1967 وتم إحراق القربان بالكامل: السلام والعدالة والقانون الدولي والمواثيق الإنسانية والأخلاقية.
الأسير ماهر يونس سجين في دولة الاوشفيتز الإسرائيلي التي تؤسس لمحارق عدة، احتلال عسكري كولونيالي طويل الأمد، نظام ابرتهايد عنصري في المنطقة، وهذه العنصرية الصاعدة المحمولة على رياح الفاشية هي ذات النموذج في ألمانيا النازية التي صعدت إلى سدة الحكم كما صعد اليمين الإسرائيلي المتطرف والعنصري مما دعا الحاخام اليعيزر قتشيئيل بالاعتراف بأنه نازي ويؤيد نظرية هتلر والتفوق العرقي وبأن العرب يعانون مشاكل جينية، التعليمات التي أصدرها هتلر بجمع اليهود في معسكرات وطردهم وقتلهم هي نفس التعليمات التي أصدرها مؤلف كتاب توراة الملك والذي أصبح دليل قتل الفلسطينيين المستند إلى نصوص دينية من كبار الحاخامات اليهود عبر العصور المختلفة، يدعو إلى قتل (الأغيار) والمقصود العرب والفلسطينيون وسحق حقوقهم القومية والوطنية، وتشغيل ماكنة صهرهم المروعة التي لا تقل بشاعة عن غرف الغاز الهتلرية.
الأسير ماهر يونس سجين في دولة الأوشفيتز الإسرائيلي، والتي تشرع القوانين العنصرية المعادية لحقوق الإنسان ولحقوق الشعب الفلسطيني وتسعى إلى شطب هويته القومية والثقافية والتاريخية كقانون القومية وقانون العودة وقانون الولاء وقانون الجمعيات وقانون المواطنة وغيرها من القوانين التي وفقها تطارد وتلاحق دولة الاحتلال الجمعيات ومؤسسات حقوق الإنسان والقيادات العربية، وتلاحق المؤسسات الثقافية والفنية والأكاديمية والمناهج التعليمية والدراسية والمسرح والموسيقى، وتؤجج الهجوم على المواطنين العرب ودفعهم وراء الجدران، تنشر الجريمة المنظمة وفلتان السلاح تحت حراسة واعين الشرطة الاسرائيلية.
إنه الهولوكست الذي تحركه أياد هتلرية كثيرة: يد عسكرية ويد أمنية، ويد قضائية، ويد استيطانية، ويد دينية، تتحالف الصهيونية مع النازية في كافة مظاهرها وهذا ما اعترف به الجنرال الإسرائيلي يائيرغولان النائب السابق لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي بقوله: إننا نذهب في الطريق ذاتها التي سلكها النازيون، وشبه العمليات العسكرية الإسرائيلية بالنازية الألمانية.

الأسير ماهر يونس سجين في دولة الاوشفيتز الإسرائيلي، دولة يسودها قضاء عسكري له سمات نازية يمارس التمييز العنصري في محاكمه العسكرية، يصدر أحكام قاسية بحق المناضلين الفلسطنيين بينما يفرج عن المجرمين اليهود أو يصدر بحقهم أحكاما خفيفة، الدم الفلسطيني مستباح بينما الدم اليهودي مقدس، إنها وصفة نازية تفوح رائحتها في أروقة محاكم الاحتلال،.

الأسرى الفلسطينيون في هذه المحاكم يوصموا بالأرهاب بينما المجرمون اليهود وعصابات المستوطنين القتلة يوصموا بالأبطال القوميين ويحظوا على الأوسمة والنياشين، وكانت القاضية استيرت حيوت رئيسة محكمة العدل العليا قد أجرت مقارنة بين القوانين التي تسنها الكنيست الإسرائيلي في الآونة الأخيرة وقوانين ( نيرنبرغ) النازية قائلة: إن قادة الحزب النازي فهموا أنه من أجل تطبيق الايديولوجية العنصرية التي تبنوها يجب دعمهم بالقانون، وهذا ما تقوم به إسرائيل بتشريع قوانين تمثل غطاء لجرائمها العنصرية.

الأسير ماهر يونس سجين في دولة الاوشفيتز الإسرائيلي التي أخرجت المحرقة من سياقها التاريخي وحولتها إلى ذريعة لكل أعمالها، فكل شيء مسموح: الإعدام الميداني، الاعتقالات الجماعية، الاعتقال الإداري، التعذيب والتنكيل والمداهمة، هدم البيوت وسلب الأراضي واحتجاز جثامين الشهداء، اعتقال الأطفال القاصرين وغيرها من الانتهاكات الجسيمة، لقد صار الهولوكوست مذهبا ونهجا وأنشأ نظاما متكاملا سياسيا وقانونيا وأيديولوجيا في إسرائيل، واستوطن الهولوكوست عقول الإسرائيليين وصار مُركبا داخليا وعنصرا أساسيا في شخصيتهم فتحولوا من ضحايا إلى جلادين وسجانين، يمارسون الجرائم المنظمة تحت شعار استئثار واحتكار صورة الضحية، وهذا ما عبر عنه إبراهيم بورغ الرئيس الأسبق للكنيست الإسرائيلي بقوله: لقد ابتلعنا بالكامل داخل التشابه المخيف مع أولئك الذين هربنا منهم مبادين ومرعوبين، لقد تحولنا إلى مشعلي حرائق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى